كما هو معروف فإن منظمة التجارة العالمية (WTO) التي أُنشئت على أنقاض الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية (GATT) لعام ،1947 هي المؤسسة الأممية الحصرية التي تمثل النظام التجاري العالمي الجديد مثلما أن صندوق النقد الدولي الذي أنشئ في عام 1944 بموجب اتفاقية بريتون وودز، هو المؤسسة الأممية الحصرية التي تمثل النظام النقدي العالمي .
وهذه المنظمة التي تم إطلاقها في مدينة مراكش المغربية في ديسمبر/كانون الأول 1994 وتضم غالبية أعضاء الأسرة الدولية (153 دولة)، معنية أساساً بتحرير التجارة العالمية في السلع والخدمات وما يتفرع عنهما مثل الاستثمار المتصل بالتجارة وحقوق الملكية الفكرية والمشتريات الحكومية . ولذلك فإن موضوع تغير المناخ لم يكن ضمن نطاق تفويضها ونطاق عملها وإن كان اتفاق مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية قد أكد على أهمية الربط بين التنمية المستدامة وبين ضوابط تحرير التجارة من أجل ضمان أن يكون انفتاح الأسواق متماشياً مع الأهداف البيئية والاجتماعية .
ولكن، وبما أن موضوع التغير المناخي قد فرض نفسه على رأس الأجندات العالمية، فقد كان لابد وأن تحاول الدول الغربية إقحامه في المفاوضات متعددة الأطراف الجارية في إطار منظمة التجارة العالمية من أجل زيادة الضغط على الدول النامية لكي تسلم بمبدأ الخفض الجماعي للانبعاثات كأمر واقع، وذلك من خلال العمل على إزالة المعوقات التي تعترض التجارة العالمية في السلع والخدمات بما ينعكس إيجاباً على البيئة، ذلك أن تسهيل الوصول إلى هذه السلع والخدمات (المصنفة على أنها منتجات بيئية) من خلال خفض أو إلغاء التعرفات الجمركية المفروضة على هذا النوع من السلع، الأمر الذي سوف يسهم- بحسب رأي الدول الأوروبية الأعضاء في المنظمة المتحمسة لهذا الربط بين التجارة وبين البيئة والتغير المناخي- في رفع كفاءة استخدام الطاقة وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحسين نوعية الهواء والماء والأرض والمحافظة على الموارد الطبيعية، فضلاً عن تحفيز وتسريع وتيرة الابتكارات والمخترعات التكنولوجية في المجالات والأنشطة المتصلة بحماية البيئة . حتى إن البنك الدولي أعد دراسة خصيصاً لهذا الربط (بين التجارة والبيئة والتغير المناخي) خلص فيها إلى أن إلغاء القيود الكمية (التعرفات الجمركية) وغير الكمية، من شأنه أن يزيد قيمة التجارة الدولية بنسبة 14% .
وتشمل المنتجات المعنية هنا المحركات الهوائية والمحركات الكهرومائية، وسخانات المياه الشمسية وخزانات إنتاج الغاز الحيوي ونحوها، إضافة إلى الخدمات البيئية مثل حماية الطبيعة والغطاء الأخضر وخدمات مراقبة الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الاحفوري .
وقد تقدم كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمقترحين منفصلين في ديسمبر 2007 يتضمنان قوائم للسلع والخدمات التي وصفاها بأنها صديقة للمناخ، وهي تشكل حوالي ثلث السلع والخدمات البيئية الجاري التباحث بشأنها في أروقة المنظمة .
ومن أجل إحداث الربط بين التجارة والبيئة، فقد نجحت الدول الغربية في إنشاء آليات تواصل واتصال بين سكرتارية منظمة التجارة العالمية وبين سكرتارية الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف، وبين سكرتارية منظمة التجارة العالمية وسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وذلك بدعوة ممثلي سكرتارية الاتفاقية لحضور اجتماعات لجنة منظمة التجارة العالمية للتجارة والبيئة (CTE)، كما أُعطيت سكرتارية الاتفاقية وضع العضو المراقب في اللجنة المعنية بمتابعة المفاوضات الخاصة بالتجارة والبيئة، وبالمقابل تشارك سكرتارية منظمة التجارة العالمية في مؤتمرات الأطراف السنوية للاتفاقية .
أيضاً فإن محاولات جادة وقوية تبذلها الأطراف الغربية في منظمة التجارة العالمية لإدراج قطاع إنتاج واستهلاك الوقود الحيوي في جولة الدوحة من المفاوضات الخاصة بالنفاذ إلى أسواق السلع الزراعية وغير الزراعية .
كما أنها تدفع باتجاه جعل لجنة المعوقات الفنية المتصلة بالتجارة المنبثقة عن اتفاقية المعوقات الفنية المتصلة بالتجارة، إطاراً ملائماً لمناقشة الأنظمة والضوابط التي يمكن أن تتخذها الدول الأعضاء في المنظمة للتعامل مع قضية التغير المناخي، على اعتبار أن هذه الاتفاقية تشتمل ضمن ما تتضمنه، على ضوابط لتجنب أي معوقات غير ضرورية للتجارة وانسيابيتها .
وكانت لجنة المعوقات الفنية المتصلة بالتجارة (TBTC) قد ناقشت، بإيعاز من الدول الغربية الأعضاء، على مدى السنوات القليلة الماضية، المعايير والمقاييس المطلوبة فيما يتعلق بمنتجات كفاءة استخدام الطاقة والتحكم في مستوى الانبعاثات مثل معايير الوقود الاقتصادي للسيارة، ومتطلبات البيئة للمنتجات المستخدمة في الطاقة، وبرامج كفاءة الطاقة للمنتجات الاستهلاكية، وحدود انبعاثات محركات الديزل .
وتعتبر لجنة التجارة والبيئة “CTE” بمثابة الحاضنة للأفكار والاقتراحات لإحراز التقدم المستهدف على أجندة التجارة والبيئة وباب العبور لأي ربط محتمل بين التجارة والتغير المناخي ترغب الدول الأعضاء في المنظمة في طرقه .
29 مايو 2011