حين يتحدث أي إنسان في أي موقع كان، وزير، أو وكيل أو مدير في وزارة، أو رئيس تنفيذي في هيئة عامة أو خاصة، أو نائب أو رئيس لجنة تحقيق، أو عضو بلدي أو رئيس جمعية أو تاجر أو مقاول أو طبيب أو مهندس أو حتى مواطن عادي.
حين يتحدث أي من هؤلاء عن القانون، وحكم القانون فذلك أمر يستحق أن نعيره وعلى الدوام آذانا صاغية واهتماما استثنائيا، يتعاظم لا ريب على وقع مجريات الأمور الراهنة الشديدة الحساسية والشديدة التعقيد والشديدة المرارة.
في هذه الأجواء نلاحظ دائما وبكثرة كلاما كثيرا «طيار» متنوعا ومتنقلا ومثابرا على الحضور والانتشار في المشهد المحلي كله يدور عن القانون، وسلطة القانون، واحترام القانون، وترسيخ القانون والحقوق في حمى القانون ودولة القانون. وذلك كله ومن دون ذرة شك مرحب به، ومطلوب من دون إبطاء لإحقاق الحقوق، أو لمواجهة إجرام أو التصدي لعبث أو تخريب أو تصويب اعوجاج أو محاسبة فاسدين غير انه لامناص من الملاحظة أن من بين البديهيات المستخلصة من وقائع التاريخ وتجارب الشعوب تظهر أن الدول المتقدمة لم يعد يتم فيها تداول أي من تلك العناوين أو الشعارات لكون سيادة القانون، ودولة القانون أمرا متلازما مع حياة الإنسان، المواطن والمقيم على السواء وعليه لا معنى إضافة الحياة للإنسان للتعريف به.
وعلى ذلك الأساس لا حاجة للبرهنة أن الدولة، أي دولة تعيش بالقانون، وتمارس القانون في كل تصرفاتها السياسية والاقتصادية والأخلاقية وتصون نفسها بالقانون، وتحصن شعبها بنصوصه وأحكامه هي دولة ترفع رأسها بين الأمم والشعوب، دولة تمضي بثبات نحو تحديث وتطوير مجتمعاتها وشعوبها فحاكمية القانون تعني أول ما تعنيه في الإطار العام التصدي للفوضى وإشاعة العدالة وإن الجميع سواسية في الحقوق والواجبات والفرص المتكافئة، وتعني كرامة الإنسان وأمان وآمال لكل من يعيش تحت مظلة سيادة القانون الذي هو وفق مفهوم الأمم المتحدة يعني أن يكون القانون فوق الجميع، كما انه الأساس الذي تبنى عليه جميع المؤسسات الاجتماعية ومؤسسات الحكم وفق تقرير التنمية الإنسانية، وهو أيضا الضمانة للمعالجات والمراجعات الخاصة بالحقوق الأساسية للجميع وحمايتها في نظر البنك الدولي.
وهكذا في شأن القانون وسيادته وحاكميته والضمانات الواجبة لترسيخ حكم القانون والقواعد القانونية التي ترمي في نهاية الأمر إلى تحقيق عدالة القانون يمكن أن يقال في شأن ذلك الكثير ورجال القانون والقضاة والمحامون قبل غيرهم هم خير من يتحدثون عن القانون وكيف أن العدل واستقلال القضاء «سلطة وأفرادا» من أهم أركانه.
ولكن يجب التنبه بان القانون لا يسود إلا إذا احترمناه جميعا، وإذا جردنا القانون من أنيابه فقد احترامه، وإذا فقد احترامه داسته أحذية الأقوياء والظالمين، ومن هنا لا ينبغي أن يكون هناك من يظن انه فوق القانون أو انه حر في مخالفة القانون وانه قادر على أن يعطي القانون إجازة.
لماذا الحديث الآن عن القانون وحاكمية القانون؟ هل بسبب «اليقظة المفاجئة» التي جعلت الكل يحمل لواء الدعوة إلى القانون وكأنهم صحوا فجأة وأدركوا أهمية ومعنى القانون في حياتهم؟ وكأن القانون كان ميتا ويراد بعثه من جديد أو انه حبس في زنزانة، أم هو طرح من صنع المصادفة وابن ساعته، وبريئاً في التوقيت على الأقل؟
هل بسبب ما يحدث الآن من وقائع وأحداث وتحقيقات قضائية ولجان تحقيق برلمانية وغير برلمانية مع مسئولين وشخصيات كانت تملأ السمع، هي اليوم متهمة بأنها لم تكن أمينة على المسئولية في مواقع شتى أم بسبب ما يجري من طرح في شأن مقدار الذاتية ومقدار الموضوعية، ومقدار الظرفية العارضة، ومقدار المفهوم الثابت الراسخ في مفهوم حكم القانون؟
ربما لكل تلك الأسباب وغيرها التي تجعلنا ننتهي إلى أسئلة أخرى تنهمر انهمارا، نجد الحديث عن القانون بات يفرض نفسه، خاصة أمام واقع يطالعنا بالكثير من وجوه انتهاك حكم القانون في مجالات كثيرة.!
ليس واردا أن نطعن أو نشكك في نوايا كل من دعا إلى تطبيق القانون والالتزام بأحكامه، فذلك أمر مرحب به ويسعد الناس، بل إننا من الداعين إلى تطبيق القانون وبحزم وجعل الثقافة البحرينية العامة في الحياة اليومية تدفع نحو جعل البحريني يحتكم دوما إلى القانون دون تردد، ونعلم بان كثر من الناس يشكون تباطؤ تنفيذ القانون، وأحيانا من عدم تطبيق القانون، وان هناك من هدد فيها بتجاوز القانون لعدم تطبيق القانون ((!!))، ونعلم أن هناك الكثير من الملفات والقضايا التي يفترض سرعة التعاطي معها وفق مقتضيات القانون، إلا انه من المفيد الانتباه انه برغم أهمية مفهوم حكم القانون ورواجه الشديد في مختلف الأوساط، إلا أن المرء يجد نفسه في مناخاتنا الراهنة أمام بعض الأمور الغامضة والملتبسة إزاء دعوات البعض ممن يدعون ويلحون إلى تطبيق القانون ويبدون غيرتهم على القانون فيما هم يخرقون القانون في الصميم في مفارقة لا تخلو من سخرية.
نعم يخرقون القانون وينتهكونه حينما يكون طرحهم في كل شيء من زاوية تصفية حسابات واستهدافات شخصية وإساءات لآخرين والتشهير بأبرياء والزج بهم إلى دائرة الشبهة والاتهام من دون سند ولا دليل، فيما القاعدة القانونية تقول أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهي القاعدة التي أكد عليها جلالة الملك أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، ولا ننسى انه القائل: «بأنني أحرص على ألا يظلم احد تحت أي ظرف كان».
يخرقون القانون حين يعبثون بسمعة وشرف الناس ويخلطون الأوراق ويأخذون الأبرياء بجريرة المخطئ وحين يوجهون رسائل عبر قنوات التواصل الاجتماعي مجهولة المصدر ثبت في طياتها الفتنة والتحريض، ويستغلون وهج النفير الجماعي والفردي في غير الوجهة الصحيحة .. الوجهة التي تؤزم وتؤجج وتخلق أجواء «سوبر طائفية» .. إذا الأمر اكبر من غيرة البعض على القانون، والمطلوب أن نترك شئون القانون لأهل القانون، والمطلوب أيضا ان لا يعتقد احد بأنه بمقدوره ان يحل محل الدولة وأجهزتها المختصة في تطبيق القانون ظانا بان الدولة تخلت عن حقها في ان تكون الجهة الوحيدة المخولة بتطبيق القانون .. حقا كم من الجرائم ترتكب باسم القانون..
26 مايو 2011