تسجل المحافظ الاستثمارية للصناديق السيادية الخليجية نشاطاً استثمارياً ملحوظاً ومقداماً خصوصاً في قطاعات الطاقة العالمية المختلفة، التقليدية والمتجددة العالمية في المدة الأخيرة .
فلقد قامت شركة قطر القابضة في الرابع عشر من مارس/آذار ،2011 وهي إحدى الشركات التابعة لهيئة الاستثمار القطرية حصة نسبتها 16 .6% في شركة آيبيردرولا، وهي أكبر شركات الطاقة الإسبانية، وذلك في صفقة بلغت قيمتها 2 مليار يورو (3 مليارات دولار)، مستفيدة من رغبة شركة تجنب ضغط شركة البناء الإسبانية التي تملك حصة تبلغ نسبتها 20% في شركة لزيادة حصتها إلى 30% والدخول في مجلس إدارة الشركة التي تعاني ديوناً تصل إلى 24 مليار يورو اضطرتها إلى الإعلان عن اعتزامها طرح 338 مليون سهم جديد في السوق (إلى جانب بيع حصة إلى قطر القابضة) من أجل زيادة رأسمال الشركة .
وتهدف قطر القابضة والشركة الإسبانية إلى البحث عن فرص استثمارية في قطاعات الطاقة في الأسواق الصاعدة بما في ذلك سوق قطر، حيث ستقوم الشركة الإسبانية باتخاذ الدوحة مقراً إقليمياً لمنشآتها الخاصة بالبحث والتطوير، كما ستعمل الشركة الإسبانية على استعمال الرأسمال القطري لتمويل عدة مشاريع خاصة بها بما في ذلك الاندماج مع Iberdrola لمصادر الطاقة المتجددة والاستحواذ على شركة (Electro Electricidade) . وهذا ثاني استحواذ لقطر للقابضة خلال أربعة أشهر . ففي ديسمبر/ كانون الأول 2010 اشترى هذا الصندوق السيادي القطري الذي يحتكم على نحو 80 مليار دولار حصة نسبتها 1 .9% في كبرى شركات البناء الألمانية “Hochtief” وبعد شهر من ذلك التاريخ أي في مايو/ أيار 2010 أنشأت “Hochtief” بعد أن تطعمت برأس المال القطري، شركة مشتركة (Joint venture) مع شركة (Lusail Real Estate Development Company)، وهي شركة متفرعة من شركة ديار القطرية . والأخيرة هي إحدى الشركات التي تملكها هيئة الاستثمار القطرية (QIA) المالكة لقطر للقابضة . وستقوم الشركة الألمانية القطرية المشتركة بإنشاء مشروع لوسيل (Lusail) إلى الشمال من العاصمة القطرية الدوحة، والذي سيكون أحد أكبر مشروعات التطوير في العالم .
ولا يقتصر الأمر على قطر وصندوقها السيادي (مؤسسة قطر للاستثمار)، فقد سبقته إلى ذلك الصناديق السيادية لدولة الإمارات، مثل شركة مبادلة، التي قامت في عام 2008 بشراء حصة في عملاق الطاقة الأمريكي “جنرال إلكتريك” ووعدت بأن تصبح ضمن أكبر عشرة شركاء في هذه الشركة الأمريكية العملاقة التي كانت واجهت مشكلات مالية في نفس العام على خلفية الأزمة المالية/ الاقتصادية العالمية، ما يعني أن مبادلة قد استفادت كثيراً من الانخفاض الكبير لأسهم شركة جنرال إلكتريك في البورصات العالمية، بسبب تلك الأزمة، ما عُدَّ صفقة ناجحة بكل المقاييس، بما في ذلك نجاح مبادلة في استدراج جنرال إلكتريك للاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة الناشئ والصاعد بصورة لافتة في أبوظبي .
كما أنشأت الشركتان مبادلة وجنرال إلكتريك شركة تجارية مالية مشتركة في عام 2009 برأسمال قدره 8 مليارات دولار دُفعت بالتساوي من الطرفين . وتستهدف هذه الشراكة الاستثمار في أصول تصل قيمتها إلى نحو 40 مليار دولار .
وكما هو ملاحظ، نحن أمام نوع وتوجه جديدين من الاستثمارات الخليجية المباشرة، يختلف جذرياً عن الاستثمارات الخليجية التقليدية التي اتسمت في السابق “بوضع البيض” (أي رؤوس الأموال المستثمرة) في السلة (أي في محفظة الأصول المستثمَر فيها) وانتظار أجل “فقسها” لتسلم العائد إليها .
الاستثمار الخليجي المباشر الجديد لا يكتفي بوضع البيض والفرجة على عملية الفقس والتفريخ، وإنما هو يستهدف مجالات وأنشطة اقتصادية بعينها يريد من وراء الاستحواذ عليها أو المشاركة بحصص في رؤوس أموالها، اجتذابها إلى الأسواق الخليجية الوطنية لإقامة شراكات مكرسة لتنفيذ مشروعات إنمائية بعينها وذلك بالاستفادة من الإمكانات التمويلية والتكنولوجية والإدارية التي يحوزها هؤلاء الشركاء الاستثماريون العالميون .
ولعل تطبيق هذا النموذج أو النوع من الاستثمارات يعود إلى نحو عشر سنوات خلت حين نجحت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) في الدخول في شراكة مع شركة “بوريا ليست” وإنشاء شركة مشتركة هي “بروج” عُهد إليها تطوير مجمع الرويس للبتركيماويات، وكان ذلك في عام 1998 .
وفي عام 2005 قامت شركة أبوظبي الدولية للاستثمارات البترولية “Investment Co” بشراء 65% من شركة Borealist النمساوية . كما قامت هذه الشركة الإماراتية بشراء حصة نسبتها 70% من شركة “Man Ferrostaal” الهندسية الألمانية .
وعلى ذلك فإننا نتمنى أن تحذو بقية الصناديق السيادية في بقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حذو قريناتها في كل من دولة الإمارات وقطر، وذلك استناداً إلى نجاح هذه التوليفة من المقاربة الاستثمارية التي تجمع بين حيازة ملكيات في أصول متينة وذات عائد جيد، وفرص النفاذ إلى أسواق تصريف شركات هذه الأصول وتقنياتها وفنونها الإدارية الحديثة .
حرر في 23 ابريل 2011