ليس ثمة طرفٌ منتصر وليس ثمة طرف خاسرٌ، الخسارة هي للجميع. لأنه في تمزق الأوطان ليس ثمة من رابح. وحدوث التشنج من هنا، ثم حدوث التشنج من هناك، هو اتساعٌ له وتعميق، وليس هو الخروج من التشنج ومن ردود الفعل.
إذا كنا لا نزال باقين في العصبية السياسية، ونتصرف على أساسها، فإلى متى؟ وهل يمكن أن يسير البلد بهذه العصبية وأي نتائج نكسبها من ذلك؟ تكفي ردود الأفعال، ولابد من الانتقال للحظة الهدوء والتمعن. إننا نتيحُ للأطرافِ الخارجية أن تسيرنا ونحن في غمرة انفعالاتنا هذه. وكلٌ يستدعي مشجعيه كأننا في ساحة كروية، وكلٌ يرد على هؤلاء المشجعين أو على أولئك مدخلين الدول والأحزاب الأخرى في مشاكلنا.
ونحن نرجو من الاخوة في الخارج ألا يكونوا مع هذا الفريق أو ذاك، وهم قوى مؤثرة تستطيع أن تزيد من الخروق بين مواطنينا.
العديد من الجوانب السياسية التي أقيمت عليها هذه التجربة الديمقراطية البحرينية الأولية تحتاج إلى تأصيل وتحليل ومراجعة، وهذه المراجعة يجب أن تقبل بها الأطراف كافة، وليس ثمة طرف هو خارج المراجعة أو أنه خارج النقد والتغيير، لا بحكم تمسكه بأدوات الحياة السياسية ولا بحكم أغلبيته العددية.
لكن يجب ألا تكون المراجعة والنقد عبر الإثارة بل عبر التراكم المعبر عنه بقراءات وانتقادات ودراسات تُقدم إلى الأطراف كافة، لا أن تأتي بين ليلة وضحاها ويتم هدم المعبد على الرؤوس أو أن تترك السلبيات تتفاقم من دون كلمة.
ومبدأ الحوار الذي طُرح بقوة في العاصفة الصغيرة التي مرت، حدث تشنج حوله، وعدم فهم ولبس كبير، ولكنه ليس مرفوضاً من أي طرف حقيقي أما أي طرف زائف فدورُهُ الأصيل هو تعطيلُ الحوار. ولا أظن ان ثمة طرفا بحرينيا يرفض الجلوس مع اخوته ومع محاوريه والمختلفين معه في قضية وطنية كبيرة.
لكن الاختلافات تنشأ بسبب عدم وضوح الرؤية أثناء الأحداث وحدوث مسافة كبيرة في المكان، فقد حدثت هوة بين المتحاورين المنقطعين، وكل منهم ناءٍ عن الآخر، أو أن ثمة أجساما عارضة ظهرت للحوار، مما جعل هذه الأطراف المعترضة تستغلُ الهوةَ تلك وتبقى في المشهد.
الأطراف الأساسية لم تجلس مع بعضها بعضا، وكل منها يتصور أنه يفهم الآخر تماماً، أو يعرف وجهات نظره مُسَّبقاً، حتى الأوراق في الواقع لا تحمل شحنة المشاعر ولا تعبر عن النيات العميقة فما هي سوى أفكار مجردة بلا حس ولا نبض ولا ظلال. وما حدث لم يكن حربا أهلية ولا مجازر، وهناك شعوب وحكومات خاضت مثل هذه الكوارث ثم تفاوضت طويلاً وغيرت بلدانها.
ثمة أخطاء حدثت من الأطراف كافة، وينبغي عدم لوكها في وسائل الإعلام وترديدها في كل لحظة وتحميل هذا الطرف أو ذاك بصور مكررة ذاتية اتهامية، بدلاً من تقريب الأطراف بعضها من بعض، والدعوة إلى قلب الصفحة والتسامح والاعتذار والنقد الذاتي. وسنرى أن جلوس بعض الشخصيات المسئولة مع بعضها بعضا سوف يغير الوضع، وتحدث تحولات وتفاعلات لم تخطر على بالنا.
في السياسة ليس ثمة مستحيل، ولا وجود لكلمات مثل انتهى، لكن الخطوة الأولى تبقى صعبة، وكل طرف يحملُ في خاطرهِ الكثيرَ، ويرى أن الآخرين اساءوا إليه، وأنه لم يخطئ في شيء، ومن حقه أن يحمل هذه الصورة ولكن لير كذلك صورته في عدسة الآخرين. والغريب اننا بتنا ننتظر الوسطاء من الداخل والخارج، والمشكلة الأولى هي كلها في الاتصالات المباشرة، وكسر حاجز الترسبات القليلة التي تشكلت في تلك الأيام. فكيف ستحدث الخطوة الأولى؟
أخبار الخليج 28 مارس 2011