والحركات المضادة للثورة العربية، لتحركات الشباب والشعوب، لها أيضاً دروسها ودلالاتها…
الدرس الأول هو أن هذه الحركات المضادة للثورة من قبل الأنظمة واستخدام هذه الأنظمة لكل أدوات القمع هي تأكيد على طابع هذه الأنظمة والجرائم التي ارتكبتها خلال عشرات السنين. ومن جهة أخرى تأكيد لقناعة شعوبها بأن ما دفعته وهي راكدة، ساكنة، محبطة ومستسلمة كان أكبر مما يمكن أن تدفعه في حراكها من أجل التغيير…
وارتباطاً بالحركة المضادة، من ليبيا الى اليمن، الى الاجتياح الخليجي والسعودي تحديداً للبحرين، والتأكيد على الرعب الأميركي من طبيعة الحركات الثورية ووقوفها الى جانب الأنظمة ورهانها المستمر عليها. وهذا يؤكد حكماًً الطابع الوطني للحركات الثورية في مصر وتونس وكذلك في البلدان العربية الأخرى…
أما الاستنتاج الثالث هو الاستعداد المستمر للأنظمة العربية المرتبطة بالخطة الأميركية – الاسرائيلية وبطليعتها النظام السعودي وبقايا النظام المصري، أي يتامى حلف “شرم الشيخ”..، استعداد هذه الأنظمة وعملها على تكريس الفتن المذهبية والطائفية من أحداث مصر الى أحداث السعودية الى “الدعم المستتر” لاستمرارية القذافي والنظام اليمني وبشكل سافر إحتلال البحرين بهدف قمع حراكها الاجتماعي السياسي…
وفي مقابل ذلك، تأكيد حركات الشباب والثورة للطابع الوطني لشعاراتها وهذا مضمون المظاهرات الأخيرة لشباب مصر تحت شعار الوحدة الوطنية وكذلك الرد الموحد للمعارضة البحرينية وتأكيدها الطابع الوطني للحراك البحريني رغم التكوين المتعدد لهذه المعارضة.
وبالاستنتاج، إن الحركات المضادة للثورة والقامعة لها بكل أنواع الأسلحة لن تلغي حقيقة انتقال العالم العربي الى مرحلة جديدة ولن تلغي واقع ان ما بعد هذه الحركات ليس كما قبلها.
فالحركات المضادة للثورة لا تستطيع إلغاء مفاعيلها وإعادة العجلة الى الوراء وبأحسن الحالات فإنها لن تستطيع تثبيت سلطة الأنظمة مهما استعملت من أدوات القمع والاجرام… وهي في أحسن الأحوال تأجيل الانتصار…
وفي مقابل الاجرام المضاد للحركات الثورية، تأتي المحاولات الكاريكاتورية للذين يحاولون مصادرة هذه الثورات الشعبية ووضعها في خانة لا تمت لها بأية صلة..
المعبر الأكثر كاريكاتورية عن هذا الاتجاه هو محاولة مجموعات لبنان الآذارية وبشكل خاص مجموعة 14 آذار، الإيحاء وكأن “ثورتهم” أو “ثوراتهم” هي التي حركت ما يجري على الساحة العربية ومن المفيد في هذا الإطار التذكير بالفوارق الجذرية اللاغية لأية علاقة أو أي شبه (بعيد الشر) بين الحركات الثورية العربية ومهرجانات الفولكلور الآذاري اللبناني…
الأول هو في الشعار الوطني للنموذجين، فالنموذج اللبناني المشار اليه نموذج أميركي بامتياز ومرتبط بمصالح الولايات المتحدة ومشروعها وخيراًً فعلوا بتأكيد تبنيهم للقرار 1559 ونتائجه الكارثية على لبنان… وبالتالي اتجاه شعارهم الاساسي لخدمة هذا المشروع ومحاصرة منطق المقاومة الشعبية تحت يافطة نزع سلاح المقاومة. وضمان حصرية امتلاك الجيش للسلاح ومن جهة أخرى محاصرة الجيش ومنعه من التحرر من أحادية مصادر التسليح…
الثاني هو في تكوين هذه الثورات، فالثورات العربية هي بامتياز ثورات وطنية موحدة، بعيدة كل البعد عن الاستقطابات المذهبية والطائفية التي تطبع الحركات الجماهيرية اللبنانية “المليونية” وبالتالي طغيان طابع الشعارات الاجتماعية للثورة في مقابل الطابع الطبقي المرتبط بالنيوليبرالية ومصالحها لقيادات الحراك الجماهيري اللبناني…فلا “محمد بو عزيزي” وقيادات 14 كانون 2 ولا قيادات الثورة الشبابية في مصر من أصحاب المليارات، بل هم ضحايا هؤلاء وضحايا فسادهم وسرقاتهم وأجهزتهم القمعية، بينما معظم المتحدثين في “ساحات الحرية اللبنانية” هم من أصحاب الطائرات الخاصة والمسؤولين عن الهدر الكبير الذي وضع بلدنا تحت دين تجاوز السبعين مليار دولار..
أما الطابع الثالث المختلف هو الطابع الوطني المرتبط والمتمسك بالسيادة والاستقلال الوطنيين الذي عبر عنه ثوار تونس ومصر برفض “النصائح” الأميركية والفرنسية وحتى العربية، بمقابل ” تشمير عن الزنود” تحت صور ملوك العرب وأخذ القبل على اليدين من زبانية لنقلها تقبيلاًً لأيدي الأمراء والملوك…
عيب، نعم ألف عيب، لا تقارنوا أنفسكم بفقراء مصر وتونس وشبابها… ألا يكفيهم قمع حليفيكم مبارك وبن علي لهم حتى يأتي تشبيهكم ليستكمل هذا القمع بالاساءة لطبيعة هذه الحركات…
وإذا كانت “الحركات الآذارية” تختلف بطبيعتها وشعاراتها، كلها أو بجزء أساسي منها، عن الحركات الثورية العربية، فهذا لا يعني أن لبنان ليس له حركته الثورية المكملة للحراك العربي والمستكملة للحالة الثورية العربية الراهنة…
إن حركة الشباب اللبناني المتكونة في ظل شعار “اسقاط النظام الطائفي” هي جزء من هذا الحراك الثوري العربي واستكمال له.. فحركة الشباب اللبناني هي حركة تعكس التفاعل اللبناني بما يجب ان ينتج عنه من أفق تغيير ديمقراطي، علماني.
الى ذلك فإن التكوين الاجتماعي لهذه الحركة الشبابية يعكس ايضاً الاتجاه نحو نظام اقتصادي جديد أكثر عدالة في مواجهة الفساد السائد في طبيعة النظام الطائفي ومكوناته…
إن حركة الشباب اللبناني، تعكس ايضاً وعياً لمسؤولية النظام الطائفي اللبناني، عن الفساد وعن التبعية للخارج وعن الحروب الأهلية الدورية التي تستخدمهم وقوداً لها..
إن حركة الشباب اللبناني، تعكس ايضاً الطبيعة اللاوطنية للنظام الطائفي فهو في أحسن الأحوال نظاماً يتحاصص القضايا الوطنية الكبرى، المقاومة والسيادة والاقتصاد… ويعتمد المساومة فيما بين هذه القضايا مما يسيء لها جميعاً..
فهو دمر الاقتصاد وجعل من لبنان الدولة العربية الأقل ديمقراطية في العالم العربي، حيث يمنع على اللبناني حقه الانساني في الأول أي الانتماء المباشر الى الوطن وهو، أي النظام الطائفي، حاصر ويحاصر المقاومة ويطيفها ويجعلها دائماً عرضة للمقايضة حيناً بحكومة وحيناً باقتصاد وحيناً آخر بمحكمة دولية فتقع رهينة هذه المساومات…
إن الشباب اللبناني المتحرك تحت شعار “اسقاط النظام الطائفي” يعي تماماً أن معركته ربما تكون الأصعب، فلبنان هو رغم حرية الكلام والشتائم… فهو الأقل ديمقراطية، فإذا كان في كل بلد عربي “تنين برأس واحد” ففي لبنان ” تنين بعشرة رؤوس” هي أعمدة النظام الطائفي في لبنان… وبالتالي معركة الشباب ضد هذا التنين هي الأصعب…
ولكن وجوه هؤلاء الشباب تعكس بشكل واضح تصميمهم وثقتهم بالانتصار رغم الصعوبة…
هي المعركة الأصعب ولكنها حتماً الأجمل.
الكاتب : د. خالد حدادة
مجلة النداء
18 مارس 2011