المنعطف الخطر الذي دخلته الأزمة السياسية في البحرين، والتعقيدات الأخيرة التي نقلت الأزمة من مستواها السياسي إلى مستواها الوطني، بل قد تفتح الباب أمام انتقالها إلى المستوى الإقليمي، تتطلب تحركا سريعا وجادا لمعالجة الأزمة والتوصل إلى حلّ سياسي وطني متفق عليه… وأحسب أنّ صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بحكم حنكته الدبلوماسية ومكانته وتاريخه المشهود في مصالحات خليجية وعربية عديدة هو الطرف المؤهل لإطلاق مبادرة كويتية لحلّ الأزمة في البحرين على أساس سياسي وليس أمنيا، وعلى أساس الحلّ الوطني الشامل وليس التسوية أو المحاصصة الطائفية.
ولعلّ عناصر حلّ الأزمة في البحرين متوافرة عندما يتمّ الاستناد إلى المنطلقات والأسس التي سبق التوافق الوطني البحريني عليها… وأول هذه المنطلقات الذي لا يتطلب إعادة تأكيد ولا يمكن التشكيك فيه هو عروبة البحرين، وهو العنوان الأساسي المتوافق عليه تاريخيا بين البحرينيين جميعهم؛ والمثبّت دوليا بصورة رسمية في تقرير بعثة الدبلوماسي الإيطالي وينسبير مندوب الأمين العام للأمم المتحدة إلى البحرين حول خيارات الشعب البحريني قبل الاستقلال وهو التقرير المعتمد من مجلس الأمن الدولي في 11 مايو 1970، وذلك بما ينهي المخاوف المستثارة حول وضع البحرين ومستقبلها السياسي وبما يقطع الطريق أمام التدخل الخارجي المرفوض.
وثاني المنطلقات تثبيت ما سبق أن جرى التوافق عليه في الاستفتاء الشعبي على ميثاق العمل الوطني في العام 2001 الحائز على تأييد 98.4 في المئة من ناخبي البحرين بأنّ “نظام الحكم في دولة البحرين ملكي وراثي دستوري” وما جاء في الميثاق ذاته حول شكل الدولة الدستوري بأنّه “صار من المناسب أن تحتل البحرين مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي الذي يحقق للشعب تطلعاته نحو التقدم”… فالملكية الدستورية ليست مجرد تغيير في لقب رئيس الدولة الذي كان أميرا قبل أن يصبح ملكا، وإنما الملكية الدستورية تعني التقييد الدستوري لسلطات الملك، وهذا هو الفارق الأساسي بين الملكيات المطلقة والملكيات الدستورية، حيث سبق أن توافق الملك والشعب على خيار الملكية الدستورية ذات النظام الديمقراطي، وهذا ما يفترض أن يتحقق على أرض الواقع على نحو مقارب لما هو عليه حال المملكة المغربية أو على نحو أقل مثلما هو الحال في المملكة الأردنية الهاشمية ذات النظام الملكي الدستوري.
وثالث منطلقات الحلّ، تصحيح الوضع الحالي والمثير للخلاف لمجلسي النواب والشورى، بحيث لا يمتلك مجلس الشورى المعيّن صلاحيات التشريع التي يفترض أن تنحصر في مجلس النواب المنتخب، وذلك بتطبيق صحيح لما تمّ الاتفاق عليه في ميثاق العمل الوطني بشأن وجود “مجلسين، مجلس منتخب انتخابا حرا مباشرا يتولى المهام التشريعية إلى جانب مجلس معيّن يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة”.
وأما المنطلق الرابع فهو القبول ببدء الحوار وفق مبادرة ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد، الذي سبق للجمعيات السياسية السبع المعارضة: الوفاق، وعد، التقدمي، القومي، أمل، الإخاء، والتجمع الوطني أن قبلته من حيث المبدأ، وطلبت توفير الأرضية المناسبة لبدئه بحيث لا يكون حوارا من أجل الحوار… وهنا لا بد من التفريق بين هذا الموقف الواقعي والمسؤول وبين الموقف المتطرف وغير الواقعي لما يُسمى “التحالف من أجل الجمهورية” الذي لا صلة له بهذه الجمعيات السياسية السبع… مع الأخذ بعين الاعتبار التوضيح الهام الصادر على لسان سمو ولي عهد البحرين نفسه مساء يوم الأحد 13 مارس الجاري، قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، بأن يشمل الحوار قيام “مجلس نواب كامل الصلاحيات وحكومة تمثل إرادة الشعب ودوائر انتخابية عادلة”، وفتح ملفات “التجنيس والفساد المالي والإداري وقضية أملاك الدولة ومعالجة الاحتقان الطائفي” وإمكان عرض ما يتم التوافق عليه في الحوار الوطني في استفتاء خاص.
وعلى أرضية القبول بهذه المنطلقات فإنّ الأمل كبير بمبادرة كويتية لحلّ للأزمة في البحرين يطلقها ويرعاها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد… فالبحرين شأن كويتي مثلما هي شأن بحريني.