هدت الجرافات، بأعصاب باردة أمس الجمعة (18 مارس ظ آذار 2011) دوار اللؤلؤة، علا هدير محركاتها، فغطى على تلك الأصوات الشابة التي كانت تملؤه ضجيجاً منذ 14 فبراير/ شباط 2011، حتى إخلائه، وأغمضت أبصارها عما كان يموج به الدوار من أحداث منذ ذلك التاريخ. ربما لا يزال الوقت مبكراً لكتابة أحداث «دوار اللؤلؤة» بشكل موضوعي، والتداعيات التي تمخضت عنها، إذ سيتطلب الأمر انقضاء بعض سنوات قبل أن ينبري من يدون يوميات «الدوار» بشكل موضوعي بعيداً عن أي انفعال عاطفي، أو انحياز «طائفي»، لصالح «شباب الدوار»، أو ضدهم. لكن الأمر الأهم من كل ذلك، والأكثر إلحاحاً منه هو التحذير، وبصوت عال، نأمل أن يسمعه جميع المسئولين، هو القفز فوق كل السيناريوهات السياسية المطلوب الأخذ بها اليوم، والمسارعة، بوعي أو بدون وعي، لاختيار السيناريو «الأمني». من هنا ليس الوقت مبكرا كي ترتفع أصواتنا جميعاً من أجل التحذير من الأخذ بهذا السيناريو المحتمل، والمخيف، والمتربص بالبحرين كمجتمع، والمشروع الإصلاحي كمبادرة استراتيجية قادها صاحب الجلالة في مطلع هذا القرن.
لابد من التحذير، وبأعلى صوت بأن المخرج الأمني من الأزمة، عوضاً عن الحل السياسي لها، هو مثل الطبيب الذي يعالج الأعراض بدلاً من أن يجهد نفسه تفتيشاً عن الأسباب. ما يدفعنا إلى التحذير من “الحل الأمني”، هو تعالي نبرة الدعوات الأمنية كملجأ وحيد متاح لانتشال البحرين مما وصلت إليه خلال الأيام القليلة الماضية، والعبور بها، إلى، ما يطلق عليه دعاة الحل الأمني، شاطئ الأمان.
من يخالف المواطن البحريني – في الرأي – الباحث اليوم عن حل سياسي جذري وستراتيجي، بدلاً عن المدخل “الأمني” المؤقت، نعيده إلى أجواء منتصف السبعينات من القرن الماضي. حينها لم تعصف بالبحرين أية أحداث كتلك التي شهدناها مؤخراً، لكن كان في صفوف السلطة التنفيذية في ذلك الوقت من التقت مصالحه مع الحل الأمني، وتمكن من الفوز باتخاذ قرار حل المجلس الوطني. لم تنتظر تلك القوى طويلاً، فكشرت عن أنيابها، ونجح الحل الأمني، الذي فرضته تلك القوى، التي كانت حينها، تسيطر كلية على سياسات الدولة وقراراتها، في إصدار “قانون أمن الدولة” البغيض، الذي أدخل البلاد، برمتها وكل طوائفها في نفق مظلم طويل، حول البحرين، ولما يزيد على ربع القرن، إلى سجن كبير تنتشر فيه غرف التعذيب، وتسير مرافق الحياة فيها أجهزة الشرطة، ولم ينقذها من كل ذلك سوى مشروع الإصلاح السياسي الذي هندس جوهره جلالة الملك. تلبدت أجواء البحرين إبان تطبيق مواد “قانون أمن الدولة”، بسحب القمع، وتراجعت حينها، وبفضل التجييش الذي ساد تلك الأجواء، كل الجهود من أجل الحلول السياسية لصالح الإجراءات الأمنية. الأمر الملفت للنظر هنا هو سقوط أوهام من وقفوا وراء الحلول الأمنية، في قدرة تلك الحلول على إنقاذ البحرين، مما روجوا له بأنه خطر داخلي معزز بدعم خارجي، ووجداو البحرين تنفجر، مرة كل عشر سنوات رغم سريان مواد ذلك القانون القمعية، كان آخرها تلك الاضطرابات التي عمت نسبة عالية من قرى البحرين وأحيائها، وتحولت البحرين إلى برميل بارود اجتماعي/ سياسي هدد السلم الوطني، ومعه النظام الاقتصادي.
القصد من التحذير من مغبة الحلول الأمنية، هو خشيتنا من قصر نفسها، وضيق أفقها، ومن ثم، فهي وإن نجحت في إعادة الهدوء إلى البلاد لفترة معينة، لكنها، ليس في وسعها أن تضع الحلول للمشاكل التي تعاني منها البحرين بشكل جذري، والتي من الخطأ حصرها في إطار اجتماعي ضيق مثل ذلك الذي تروج له بعض القوى. تعاني البحرين اليوم من مشكلات معقدة تتداخل فيها الجوانب السياسية، مع تلك الاإقتصادية وتتمظهر في أشكال اجتماعية، ليست الطائفية سوى أسوأ تعبيراتها المباشرة.
ينصح المواطن، من يحاول أن ينتشل البحرين مما هي فيه، أن يكون مدخله سياسياً يضع في الحسبان مجموعة من العوامل، ليس السلم الاجتماعي سوى أحد أهم صمامات الأمان التي هي في أمسّ الحاجة لها. ولكي يكون الحل السلمي ناجحاً وشمولياً، لابد له من مراعاة القضايا التالية:
1 – الابتعاد عن ذهنية البحث عن طرف منتصر ينعم بالمغانم، وطرف آخر منهزم عليه أن يتكبد الخسائر. على من يضع هذه الحلول أن ينظر إلى شعب البحرين كوحدة واحدة، مكون من قوى اجتماعية متعددة، تتطلع جميعها كي يأتي هذا الحل بما يحقق النصر لها على نحو مشترك. من الطبيعي أن يكون هذا الحل معقداً، ومتعدد الأوجه، ومن ثم فهو بحاجة إلى بعض الوقت كي يكون جذرياً، ويمتلك كل مقومات النجاح والاستمرار.
2 – غض الطرف عن كل القضايا الصغيرة، والتركيز على القضايا الاستراتيجية الكبرى، التي بوسعها أن تجتث من الجذور أسباب الصدام، وعناصر الاحتقان، وتضع مكانها مقومات السلم الاجتماعي، والتطور الاقتصادي، التي بوسعها أن تضمن تعايش الفئات المختلفة في وئام، قادر على حل أي شكل من أشكال الصراعات التي يحتمل أن تندلع فيما بينها اليوم، أو في المستقبل.
3 – فهم متطلبات السير على طريق المملكة الدستورية، بما في ذلك الجوانب السياسية والاجتماعية، دون الاستهانة بتلك الاقتصادية، والعمل على بناء المنصة التي تضمن تضافرها جميعاً، دونما تضاد، لقطع ذلك الطريق والوصول إلى نهاياته.
في كلمة مختصرة، علينا أن ندفن جميعاً الحلول الأمنية، وتتضافر جهودنا بحثاً عن الحلول السياسية، وإلا فسوف، نأخذ البحرين، وبمحض إرادتنا، شئنا أم أبينا نحو الجحيم، الذي نتوقع أن لا يوجد بيننا من يتمناه لها
صحيفة الوسط 19 مارس 2011م