المنشور

عن ماذا نتحـدث؟


عن ماذا نتحدث؟ وعن أي شيء نقلق؟ وعن أي هواجس نتناول؟.. عن بذور الفتنة التي أطلت برأسها علينا سواء المتمثلة في بعض مظاهر الخلاف والاختلاف والشحن والتوتر الطائفي في بعض مناطق السكن والتعليم والعمل، أم في ماكينة الشائعات النشطة والخبيثة أم في تلك الخطابات والتصريحات والمواقف والكتابات والدعوات المنغمسة في المهاترات والمزعجات أم عن حالة التربص ومحاولات جر الشارع لبعضه البعض كمن ينتظر جولات إضافية من المنزلقات الطائفية.

هل نتحدث عن ذوي الغرض المشبوه وأصحاب الحسابات الخاطئة الذين يرفضون تسمية الأسماء والأفعال بأسمائها والساعين إلى جعلنا أسرى ومسكونين بمفاعيل الطرح والشحن اللذين يقسمان ويفرقان ويقزمان المطالب الوطنية، أم عن الحقائق والمفاهيم والمطالب التي زيفت وتلونت وتشوهت من جانب هؤلاء الذين لا نعرف ما إذا كانوا حقيقة ضد الطائفية أو أنهم من أربابها وحلفاء معها، أم عن تلك المبالغات والإثارات والتفسيرات والتأويلات التي تضخمت لتعبث بالعقول والنفوس وتزيد الفتنة، أم نتحدث عن أولئك الحالمين والواهمين وأصحاب المصالح والغايات والمقاصد المضمرة التي تتخطى اللحظة الراهنة، أم عن أولئك الذين لم يحسنوا الظن برشد البحرينيين وقدرتهم على التمييز بين الصدق والمراوغة، والحقيقة من الوهم والحسن من الرديء، والرديء من الأردأ وجعلوا واقعنا صاخب الضجيج مليئاً بالعواصف المأساوية من الكراهية والعداء والإحباط والشعور بالعجز، أم نتحدث ونتوجس من انتهازية البعض للظرف الراهن ممن لم يتعبوا من كثرة الركض والقفز والتلون وواتتهم الفرصة ليركبوا الموجة ويلعبوا على عواطف الناس وجراحاتهم ويؤججون مشاعرهم بحثا عن دور أو بطولة أو زعامة والظهور بمظهر أنهم أجمل وأرقى وأفضل وأنبل من في هذا البلد وأكثر وطنية وان هناك من اختارهم لمهمة وطنية جليلة متدثرين بغطاء هذه الطائفة أو تلك شاءت أم أبت ارتكبوا الحماقات تلو الحماقات، وأغرقونا في سيل من التصريحات والمواقف المستفزة التي لا ترأف بالبلاد والعباد، ولا تراعي العقل والمنطق والمسؤولية، وأدخلونا في دوامة الكيدية والأحقاد واللعب بالنار وسوّقوا لنا بأن كل طائفة مستهدفة من الطائفة الأخرى.

هل نتحدث عن هؤلاء الطارئين الذين تتناقض أقوالهم بين يوم وآخر أو ساعة وأخرى ممن أعطوا لأنفسهم الحق كل الحق ومن دون تردد أو حياء التحدث باسم الشعب البحريني لا تهمهم سوى الأضواء والضوضاء والبهرجة، أم عن أولئك الذين يـظنون بأنهم وطنيون أكثر من غيرهم تمادوا في تخوين الآخرين واتهامهم بعدم الوطنية.

هل نتحدث عن أصحاب الورش السياسية الذين مارسوا الألاعيب وبرهنوا أنهم غير «راكدين» كما كان يسوق عنهم وانقلبوا من النقيض إلى النقيض، أم عن أولئك الذين في بالنا وفي بالكم يتبخترون كأنهم القضاء والقدر يريدون إقناعنا أنهم حصانتنا وحماتنا فيما هم يقلقوننا من ممارساتهم التي عبرها يريدوننا أن ننزلق إلى خلافات واختلافات بين جناحي الوطن وعلى كل شيء وجعلها أكثر فائدة لمصالحهم، وأكثر احترافا لتأمين تلك المصالح على حساب المصلحة العامة، أم نتحدث عن أولئك الذين افترضنا فيهم الوعي والنضج والفهم والثقافة والحس الوطني بما يكفي جعلهم خصوما طبيعيين للطائفية وأسوارا منيعة في وجه الفتن وتطاير شررها وسدًا يحول دون استعمالها طعما يسيء لبلدنا وشعبنا وثوابتنا، فإذا هم منغمسون ومتورطون في العلن والخفاء في حفر خندق العداء في الوعي البحريني العام عبر ترسيخ الطائفية ومساهمين في المسار الانحداري المرعب.

عن ماذا نتحدث ونتوجس ونقلق؟ هل من أسماء أثيرت حولها أقاويل وشبهات حول قيامها بدسائس ومكائد أو بشيء من هذا المعنى لطخت العلاقات المواطنية مرات ومرات..؟ أسماء مثيرة لكثير من المماحكات واللغط والتضليل أينما ظهرت، وعرفناها من ضمن عناصر التأزيم في واقعنا، وقد ظهرت لنا هذه المرة وبقدرة قادر في صورة غلب عليها الطابع الكاريكاتوري بلبوس المدافع عن اللحمة الوطنية والحريص على أن لا نندفع نحو المجهول بدون حساب، كما ظهر بعضهم واقفا وراء كيان هنا، أو تيار هناك يتبنى الانفتاح على أفكار وطنية عامة..!!

هل نتحدث عن هذا الإفراط في تشكيل الأطر والكيانات والتيارات واللجان التي تشكلت وتلك التي في طور التشكيل بمسميات مختلفة استظلت بمظلة «الوطنية» وبالدعوة للحوار الوطني، بعضها جاء في خلطة عجيبة منها ما ضم أصحاب النيات الحسنة وأرباب النوايا المبيتة في آن واحد وكأنما أريد بهذا تشتيت الجهود أو تشويهها أو تعطيلها أو طأفنتها سعيا وراء زعامة أو مغنم أو ترضيات أو حضور في المشهد وتصدر الواجهة.

هل نتحدث عن هؤلاء النواب الذي يفترض أنهم يمثلون شعب البحرين بكل طوائفه وأطيافه ومكوناته والذين لم يكتفوا بعجزهم عن القيام بدور ايجابي فاعل حيال مجريات الوضع الراهن، أو ان يكونوا طرفا يخفف من الاحتقانات والشحن ولكنهم أبوا ألا أن يفاجئونا بالظهور بمظهر طائفي بامتياز..!

هل علينا أن نتحدث عن بعض من يعتلون المنابر الدينية والإعلامية وهم يطرحون ويثيرون ما يجعل «القلوب ملآنة» وما يثير في قلوبنا «غصة» أم نتحدث عن من يريد أن نعيش تحت وطأة وتجاذبات وأهواء طائفيين يجروننا إلى منزلقات تقود إلى الخيبات والفشل، أم نتحدث عن بؤر العنف التي ظهرت في بعض المناطق وتداعياتها، أم نتحدث عن هؤلاء المحرضين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ليشعلوا الفتنة فيما هم يتحدثون عن الوحدة الوطنية. أم علينا أن ننوه بجهود صادقة مبذولة من قوى وطنية حية ونظيفة لم تلوث بالنفس الطائفي، ولم تؤجر إرادتها لآخرين تحت أي ظرف أو ضغط أو مصلحة، مقابل أطراف وقوى اكتفت بنهج سياسة النعامة حيال كل ما يجري ويقلق، واكتفت بدور المتفرج العاجز عن فهم إننا بلغنا منعطفات الخطأ والخطر.

هل نتحدث عن المشكلات والهموم المتراكمة التي باتت تستولي على الناس بالقلق والأرق والخوف لتنخر في حيوية مجتمعنا، أم نتحدث عن هذا الاستغلال البشع لأحداث وأعمال عادية يجهد البعض في إثارة جدل حام حولها ويعرفون إلى أي حد يمكنهم التمادي. أم نتحدث عن القيود والكوابح التي افتعلت هنا وهناك وهنالك حول الكثير من أمور حياة المواطن الملسوع بالخيبات أم عن المطالبات السياسية والإصلاحات السياسية النوعية المنشودة، وتحديات الحراك السياسي وشعارات كثر من السياسيين والطارئين ومصالحهم وأنانيتهم وطائفياتهم ومذهبياتهم وذهنياتهم وانتهازيتهم، أم عن الحوار الوطني الذي بات مطلوبا على وجه السرعة، وموضوعات الحوار، وأفقه، وآلياته وسقفه وحسم خلافاته، وأطراف الحوار وأحقية شروط ما قبل الحوار، وكيفية الابتعاد به عن الآفات التي تعطل مضامينه، لينعقد في أجواء من الصفاء والتعقل وبكثير من الترفع ومن دون أن يشعر أي طرف بأنه يأتي للحوار مسايرا، أو خوفا، أو قهرا، أو انه في مبارزة بين فارض ورافض.

سواء تحدثنا عن هذا الموضوع أو ذاك، أو هذه القضية أو تلك، النتيجة كلها واحدة، قلق، توتر، توجس، مخاوف تشويش واضطراب وتساؤلات حائرة، ويصبح منتهى الخفة والطيش أن نقلل من شأن هذا الذي يجري وتداعياته الراهنة والمرتقبة واعتباره مجرد سحابة صيف، هذه أمور يجب أن تكون مفهومة ومدركة في عقول كل المواطنين وفي يقظة ضمائرهم لتحقيق ما هو أفضل أو بالأصح تجنب ما هو أسوأ..!

وكي لا يُدفع بنا إلى هاوية لا قعر لها فإن الوضع قد يستدعي تطبيق ما يمكن أن نجاري في تسميته بخطة وطنية لإعادة تأهيل النفوس وتطهيرها لتجاوز الطائفية بكل وجوهها، في السياسة، وفي المجتمع، وفي وعي الناس، وتذكروا أن الطائفية آفة كبرى أينما حلت تأكل الدين والوطن، المطلوب سريعا الحوار.. وقبله النوايا الحسنة، فهيّا عجلوا قبل فوات الأوان..!
 
الأيام 16 مارس 2011