مع تفهّمي التام للتحرك الجماهيري في البحرين، إلا أنّ الصورة المنشورة يوم أمس لإحدى موظفات السفارة الأميركية في البحرين وهي تقدّم قطع حلوى «الدونتس» إلى المتظاهرات المحتشدات أمام مبنى السفارة، استفزتني أيما استفزاز… ولكن ما يخيفني ولا يستفزني فقط أنّ مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان كرر زيارته إلى البحرين وأجرى اتصالات مع مختلف الأطراف هناك في إطار التمهيد للحوار الوطني المرتقب بين الحكم والمعارضة، وفيلتمان مثلما هو معروف عنه رجل المهمات الخاصة في الدبلوماسية الأميركية وسبق له أن لعب أدوارا خطيرة في العراق بعد احتلاله، وفي لبنان بين 2004 و2008 عندما كان سفيرا في بيروت قبيل اغتيال الرئيس الحريري وبعده!
وفي هذا السياق عن الدور الأميركي مع الفارق، قرأت يوم أمس ما نشرته «القبس» على لسان الدكتور أحمد الخطيب في لقائه مع عدد من الشباب في مقر «التحالف الوطني الديمقراطي»، حيث لفت انتباهي حديثه عن حركات شبابية أميركية لها دور في دعم التحركات الشبابية في العالم وبينها التحركات الجارية في بعض البلاد العربية… وهو أمر يتطلب وقفة تفكّر وتبصّر وتدقيق حول طبيعة هذه الحركات الشبابية الأميركية وحقيقة ارتباطاتها والدور الذي تقوم به!
إنّ الأحداث الثورية العاصفة التي تشهدها منطقتنا العربية ليست مؤامرة تُدار من الخارج، وإنما هي بالأساس نتاج تناقضات عميقة تعيشها بلداننا ومجمعاتنا، فهي نتاج استبداد الأنظمة الحاكمة المطلق منه والمغلّف بغطاء ديمقراطي شكلي، وهي نتاج الفساد المستشري في هذه الأنظمة، ونتاج تبعيتها المذلّة للغرب الإمبريالي وتواطؤها المريب مع العدو الصهيوني، وهي نتاج انسداد الأفق التنموي في بلداننا، هذا من حيث العوامل المشتركة، من دون تجاهل خصوصيات كل بلد أو مجتمع عربي على حدة وتفاوت حدّة التناقضات؛ وتوافر شروط التغيير… ولكن هذا كله لا يمنع أن تكون هناك أجندة أميركية قائمة تحاول استغلال ما حدث ويحدث أو قد يحدث، أو تحاول استدراك ما كان عليه موقفها أول الأمر تجاه ما حدث في تونس ومصر وذلك قبل أن تستوعب الصدمة وتعيد ترتيب أوراقها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية وبما يضمن استمرار الدور الأميركي في مواقع الهيمنة والتأثير، وبما يحقق التسيّد للمشروع الصهيوني.
ومن هنا فإنّه بعيدا عن التشكيك المرضي الضار والخطر، الذي تروجه بعض الأطراف الوطنية المخلصة ويؤدي عمليا إلى أن تنعزل عن المشاركة في الحركة الشعبية العامة، وكذلك فإنّه بعيدا عن الاتهامات المغرضة التي تحاول بعض الأنظمة العربية ترويجها لتشويه صورة التحركات الشبابية والانتفاضات الشعبية والثورات الديمقراطية الجارية في بلداننا، مثلما سبق أن فعلها أخيرا أحد الرؤساء العرب المطلوب رحيلهم شعبيا عندما اختلق قصة الغرفة السرية ودورها في توجيه الأحداث، ثم اعتذر في اليوم التالي من أسياده على تصريحاته المنفلتة، أقول إنّه بعيدا عن التشكيك المخلص والاتهام المغرض، فإنّ الحذر مستحق تجاه المحاولات الأميركية الساعية إلى اختطاف حركات شبابنا وانتفاضات شعوبنا، أيًّا كانت صور هذه المحاولات، التي قد تتخذ مظاهر إنسانية تبدو بريئة ولكنها مقصودة إعلاميا تتمثّل في صورة توزيع قطع حلوى “الدونتس” على المتظاهرات والمتظاهرين، أو تأتي على شكل اتصالات ووساطات دبلوماسية تدعي النزاهة والحياد، أو قد تأتي على هيئة دعم مشبوه من “حركات شبابية” أميركية… فنحن العرب ضحايا مراسلات الحسين ماكماهون ومشروع الثورة العربية الكبرى الموءودة، ونحن ضحايا وعد بلفور، وضحايا سايكس بيكو وتقسيماته، وضحايا أكذوبة حرب 48 وضياع فلسطين… والخشية إن لم ننتبه وإن لم نحذر أن نصبح ضحايا مشروع الشرق الأوسط الكبير أو نسخته الأخرى الشرق الأوسط الجديد.
عالم اليوم 9 مارس 2011