من أخطر الآفات التي تعانيها الدولة الكويتية آفة الفساد المستشري في مختلف القطاعات والمؤسسات والأجهزة، وهذا ما يؤكده تراجع ترتيب الكويت وتدني الدرجات التي حصلت عليها ضمن مؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية”، حيث احتلت الكويت في التقرير السنوي الأخير للمنظمة المرتبة 54 بين دول العالم وكانت في المرتبة الأخيرة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي الست وذلك بواقع 4.5 درجات من عشر درجات.
ويوم أمس فقط نشرت الصحف وقائع ومعلومات حول فضيحتين جديدتين من فضائح الفساد التنفيع واستغلال النفوذ، وما أكثرها من فضائح، بحيث غدت فضائح يومية… حيث كشفت صحيفة “الراي” فضيحة فساد خطيرة وثّقها تقرير رسمي لديوان المحاسبة تتمثّل في إبرام شركة نفط الكويت المملوكة للدولة في 17 فبراير من العام الماضي عقدا استشاريا خياليا لمدة خمس سنوات مع شركة شل بقيمة 800 مليون دولار لتعزيز إنتاج الغاز الحرّ، وذلك عن طريق الأمر المباشر على خلاف ما تقضي به القوانين.
والأسوأ من ذلك أنّ نتائج السنة الأولى من تنفيذ ذلك العقد الاستشاري الخيالي لم تحقق أي تقدم أو زيادة في إنتاج الغاز الحرّ، بل لقد تراجعت معدلات إنتاجه عما كانت عليه قبل إبرام العقد…
أما فضيحة التنفيع الجديدة الأخرى فكشفها النائب مسلم البراك حول استئجار إحدى وزارات الدولة 17 طابقا من برج استثماري سبق أن منحت الدولة الأرض التي تمّ تشييد البرج عليها إلى أحد الأشخاص المتنفذين وفق عقد مجحف بحقوق الدولة، حيث لم يدفع صاحب البرج للدولة سوى مليوني دينار كويتي فقط مقابل الأرض مع أنّ قيمتها السوقية تصل إلى سبعين مليون دينار، والأدهى من ذلك كان قبول الدولة التعامل مع هذا البرج الاستثماري على أنّه وقف يلتزم صاحبه الواقف بدفع 5 بالمئة فقط من إيرادات البرج إلى الدولة بينما يتقاضى هو الباقي من الإيرادات، أما ثالثة أثافي هذه الفضيحة فكان استئجار الدولة نفسها 17 طابقا من هذا البرج… وياله من تنفيع خيري مثولث.
أمام هذه الفضائح اليومية المتلاحقة قد يقول قائل إنّ الفساد ظاهرة عالمية لا تخلو منها دولة من الدول، وهذا صحيح، ولكن الفارق بين الدول أنّ بعضها يحارب الفساد وبعضها الآخر يغضّ الطرف عنه أو يحميه ويرعاه، وهذه هي حال الكويت، مع كل أسف، في ظل مثل هذا النهج وفي ظل مثل هذه الإدارة السياسية… والشواهد كثيرة، وآخر هذه الشواهد التستر الحكومي على أسماء الشركات الأربع الكبيرة المتهمة في قضايا الأغذية واللحوم الفاسدة، وقبله التستر الحكومي على أسماء الشركات والمؤسسات المتاجرة بالبشر.
أما الدلائل على عدم جدّيّة ادعاءات الحكومة بمحاربة الفساد فنلمسها في اعتراضها على الاقتراحين بقانونين في شأن الكشف عن الذمم المالية لكبار المسؤولين في الدولة وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد المقدّمين من بعض النواب، كما نلمسها في عدم التزام الحكومة بتقديم ما سبق أن التزمت هي ذاتها بتقديمه ضمن الإطار العام للخطة الإنمائية من مشروعات قوانين في شأن مكافحة الفساد من بينها مشروع قانون بمكافحة الفساد، ومشروع قانون آخر حول تضارب المصالح، ومشروع قانون ثالث لحماية المبلغين، بالإضافة إلى عدم تنفيذها ما سبق أن التزمت به في الإطار العام للخطة بإنشاء هيئة للنزاهة والشفافية.
لقد تخطى الفساد ما كان يمكن احتماله، وأصبح الآن استفزازا يوميا يستثير مشاعر الغضب الكامن في النفوس، وهو غضب قابل للانفجار ذات يوم، وربما ذات يوم قريب جدا.
عالم اليوم 7 مارس 2011