بين أشياء مهمة كثيرة وردت في مقابلة سمو ولي العهد مع الزميلة سوسن الشاعر، أود التوقف عند إشارته إلى أن ما جرى من تعديلات وتنقلات في التشكيلة الحكومية ليس هو لب أو جوهر الموضوع المنشود من الحوار الذي دعا اليه سموه، لأن هذا الحوار معني بمستقبل البحرين وبالصورة التي يتعين أن يكون عليها هذا المستقبل، مُضيفاً أن هذه الصورة يمكن أن تكون نموذجاً للمنطقة كلها.
والحق أن حديث ولي العهد حول حجم التعقيدات الناشئة عن الوضع القائم في البحرين كان أكثر نضجاً وحكمة من الكثير من الكتابات التي نقرؤها في صحفنا، ونسمعها في وسائل إعلامنا الأخرى، التي بدل أن تعترف بالأزمة القائمة وحجمها الفعلي، والحاجة للإصلاح وسيلة للخروج منها، تصب جام غضبها على بيان هنا أو هناك لهذه الجمعية السياسية المعارضة أو تلك، بطريقة لا تخلو من خلط الحابل بالنابل، وبإغماض متعمد للعين عن الأوجه المختلفة للتطورات السياسية العاصفة التي نعيشها، والتي تتطور بسرعة قياسية، وإغماض العين كذلك عن حقيقة انه لا يمكن التعامل مع الوضع المستجد في البلد اليوم، وكأن شيئاً لم يحدث من حولنا، وأن طريقة التعاطي مع هذه المستجدات يجب أن تتطور، وإلا فان مجرى الأحداث سيعزل من سيظل يراوح في مكانه السابق.
هناك الآن أسقف متفاوتة للمطالبات السياسية في البلاد، ولكن المؤكد أن الصوت الراجح في المجتمع هو صوت الإصلاح السياسي الجدي الذي تطالب به أوسع القوى في المجتمع البحريني اليوم، لا في صفوف المعارضة وحدها وإنما في صفوف مجتمعية أخرى، بما فيها أصوات في تجمع الوحدة الوطنية ذاته، وهو الإصلاح الذي يريد استيفاء شروط الملكية الدستورية، مع ما يترتب على ذلك من تنازلات مؤلمة على الأطراف المعنية أن تقدمها، لأن إرادة التغيير لم تعد محلية فقط، وإنما هي حاجة فرضتها التحولات العميقة التي جرت وتجري حولنا.
المنطقة العربية هي آخر المناطق في العالم التي وصلها المد الديمقراطي، فخلال العقدين أو الثلاثة الأخيرة انزاحت الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية في العالم، وباستثناء بؤر صغيرة نادرة هنا أو هناك، مازالت تدار بأنماط استبدادية، هي في الغالب الأعم بقايا مرحلة الحرب الباردة، والمنظومات التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، فان العالم كله انعطف نحو الديمقراطية.
وها هي الموجة الديمقراطية قد وصلت شواطئنا العربية، وهي هذه المرة من القوة بحيث يبدو قارئاً سيئاً للواقع من يعتقد انها موجة قابلة للانحسار، وانه يمكن التحايل عليها بإجراءات تجميلية أو ترقيعية لن تحل المشكلة في الظروف المستجدة.
بدا سمو ولي العهد مدركاً لذلك جيدا، وهو يتحدث عن ان ما نحن بصدده الآن هو تشكيل صورة وطننا المقبلة، فأعين العالم موجهة نحونا، وأمامنا لحظة زمنية نادرة، علينا ألا نضيعها في سبيل بلوغ تسوية تاريخية بين الدولة والمجتمع، يعاد فيها صوغ العلاقة في إطار ويتحقق فيها الفصل الحقيقي للسلطات، وتصان فيها الحريات، وتسود فيها قيم العدالة الاجتماعية وتضمن كرامة الناس، بما يليق بشعبنا وما قدمه من تضحيات.