منذ أن عصفت إيران في يونيو عام 2009 احتجاجا على تزييف الانتخابات، وخروج المعارضة للشوارع ’ وقمعها بكل أشكال العنف، لم تهدأ إيران وجماهيرها الغاضبة حتى هذه اللحظة من عام 2011، إذ شهدت الأحداث المتواصلة والمتكررة بنداءات الشعب الإيراني وفي مقدمته شبابه الطليعي، مواجهات عنيفة من قبل أجهزة النظام ومؤيديه، بل وشهدت طوال هذه السنتين كل المدن والأحياء والجامعات الإيرانية في كافة المناطق تظاهرات الاحتجاج المنددة بنظام الجمهورية الإسلامي الشمولي وبنظام ولاية الفقيه، في هيمنته على المناخ السياسي والحياة الاقتصادية والثقافية، وتقليص الحريات المدنية إلى أقصى حد في مجتمع شهدت له الإنسانية والحضارة المعاصرة تقدما وازدهارا في كافة الحقول المجتمعية والمدنية، بما فيها في حقبة زمن الشاه المخلوع.
غير إن صعود نظام شمولي تحكمه ذهنية دينية متزمتة رافضة لكل أشكال الاختلاف الأيديولوجي والسياسي والثقافي، ومستعدة أن تواجهه بالحديد والنار مهما كلفها من خسائر مادية ومعنوية على صعيد المجتمع الدولي، إذ ما يهم تلك الجماعات المتسيدة على دفة الحكم، هو تأبيد سيطرتها على إيران إلى ما لانهاية، متناسية إن التاريخ لا يقف عند نقطة الصفر والتجمد، وإنما إرادة التغيير والحرية وحدها التي ظلت تعتلي وتختلج في نفوس الشعب الإيراني المتطلع لحياة جديدة مختلفة تماما عن نمط الاستبداد السائد من حكم الملالي .
ما هتف به المحتجون من الشعب الإيراني منذ يونيو 2009 حتى هذه اللحظة هو شعار “الموت للدكتاتور” إلا أنهم اليوم يضيفون النغمة التي كسحت الشارع العربي بهتاف “الشعب يريد إسقاط النظام” وقد سبق الإيرانيون الجميع في هتافاتهم وشعاراتهم ولكنها كانت بروح إيرانية مشتعلة كحرارة الجمر وغضب الانفجار.
ما شهدناه خلال السنتين من كر وفر بين القوى المتصارعة، ليس إلا تراكما من الخبرات والاحتجاجات يزرعها شباب وشابات الجامعات والمدارس في إيران وتتأصل بالمراس العنيد، ويتفاعل معها الشعب الإيراني بطريقته، حيث وجد النظام نفسه يعاني على المستوى الخارجي من عزلة دولية نتيجة نهجه السياسي وملفه النووي الغامض والخطير، فيما راحت العزلة الداخلية والأوضاع الاقتصادية المتردية للشعب تدخله في خندق الحصار والتأزم.
هذا الاختمار الثوري في قاع المجتمع الإيراني يبشر بعاصفة قادمة لا محالة، حيث وضع النظام نفسه في دوامة النهج القمعي باحثا عن أساليب الترهيب والرعب، فنصب العديد من مشانق الإعدام هذه الشهور – ومازال – بل وطالت يده معتقلين سياسيين وجنائيين، قضى بعضهم سنوات طويلة في السجن، ومع ذلك كانت وحشية الأجهزة مستعدة أن ترسلهم إلى أقبية سجونها وأعواد المشانق، كانت تهم بعضهم كونهم من منظمة مجاهدي خلق أو عائلات زارت أبنائها في معسكر اشرف الموجود في العراق، بل ولم تتوان عن محاولة إغلاقه بشتى الوسائل الضاغطة بما فيها مكبرات الصوت المعلقة على مداخل المعسكر.
لقد شهدنا خلال هذه الشهور انتهاكات كثيرة من نظام طهران إزاء الشعب الإيراني، غير أن نوابنا الأفاضل في البحرين لم يفتحوا فمهم بكلمة احتجاج واحدة، بالرغم من مناشدة منظمة مجاهدي خلق لهم رسميا طالبة منهم إبداء الإدانة لتلك الممارسات القمعية، موقفا تضامنيا على اقل تقدير، بل ولم نر موقفا من الجمعيات السياسية، التي هرعت بنقل ورودها وتهانينها واحتجاجاتها إزاء ما يحدث في مصر وتونس، ولكنهم للأ سف غضوا الطرف عن إيران المقيدة بأغلال الاضطهاد، ومكبلة صوت الحرية في أنياب نظام مستشرس. كان واجبا إنسانيا وإسلاميا وتقدميا أن تحمل تلك الجمعيات في البحرين موقفا مماثلا مع إيران الشقيقة المنتفضة، فالاحتجاجات السياسية ليست مرهونة بعضوية دول الجامعة العربية!!
إن إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى متعطشة للحرية والخلاص والانفجار، حتى وإن وضع النظام كل ثقله في أجهزة القمع والكبت، فوقت التغيير آت لا ريب فيه، ولكن كيف ومتى ذلك ما لا يمكننا التنبؤ به بقدر ما يمكننا التأكيد على حتمية الانفجار والانتصار للإرادة الشعبية الإيرانية المنتفضة منذ يونيو 2009، وهي ما تزال تهبط وترتفع كموج البحر الغاضب.
الأيام 8 مارس 2011