في هذه اللحظة الدقيقة التي يجتازها العالم العربي، هناك حالة نفسية جديدة غير مسبوقة يعيشها الناس في كل أقطار العرب، تتمثل في شعور بالنشوة والأمل في تحقيق انعطافة في حياة مجتمعاتنا، كأن هذه الجماهير تريد أن تنتقم، ولو في دواخلها، من عقود من الكبت وتغييب الحريات والحط من الكرامة الإنسانية.
هذه الحال النفسية الجديدة تحل محل حال من الانكسار والخيبة والإحباط سادت لمراحل طويلة، تشكلت خلالها مظاهر الخنوع والخضوع والتسليم بالأمر الواقع، وفقدان الأمل في تغييره.
أستاذ الطب النفسي المصري الدكتور أحمد عكاشة قال في حوار تلفزيوني أُجري معه مؤخراً، أشارت اليه الزميلة عصمت الموسوي، مُعلقاً على اللحظة الراهنة بالذات ان الشعب المصري راهناً هو في أفضل حالاته النفسية، برغم ما تمر به البلد من مصاعب، لأنه بات متوحداً حول هدف كبير.
حول هذه النفسية الجديدة التي تعيشها شعوبنا قيل الكثير، لكن، وعلى صلة بما يجري حالياً، مُفيد التأمل في مصطلح أطلق عليه الباحث العربي سالم القمودي:« سايكولوجيا السلطة»، وأفرد له كتاباً صدرت طبعته الثانية منذ أكثر من عشر سنوات.
لقد اعتدنا أن نتحدث عن سايكولوجيا الجماهير التي كان أفضل من كتب عنها غوستاف لوبان في الكتاب الذي يحمل نفس العنوان، لكن من النادر أن يجري التوقف أمام سايكولوجيا السلطة.
وحسب القمودي فانه مثلما ندرس سايكولوجيا الطفل والرجل والمرأة، ومثلما ندرس سايكولوجيا الجماعات والشعوب، علينا ان ندرس بحماس مشابه سايكولوجيا السلطة، فهي تمتلك من الأدوات والوسائل ما يمكنها من التأثير في كل السيكولوجيات الأخرى، بل إخضاعها والسيطرة عليها.
لكي نفهم ما نُشاهده اليوم من عناد السلطات وأساليب مناورتها، ومراقبة مهارتها في لعبة العض على الأصابع المعروفة جيداً في تراثنا العربي، علينا ألا نكتفي بالبحث في العوامل السياسية وفي حجم المصالح والمنافع المكتسبة التي تجعل السلطات تفعل ما تفعل، وإنما علينا أيضاً أن نستعين بعوامل التحليل النفسي، لرؤية مجمل الدوافع التي تحكم هذا السلوك.
وأيا كان الأمر، فنحن إزاء لحظة تاريخية مختلفة نوعياً، لم يعد مُجدياً فيها الاكتفاء بأساليب المناورة المعهودة. إن الوضع يتبدل من حالٍ إلى حال، وهنا تكمن معضلة السلطات، فالأمور لا يمكن أن تُساس بالطريقة السابقة، بصرف النظر عن النتيجة التي سوف تُحسم بها حالة التوتر السياسي القصوى الراهنة في العديد من بلداننا العربية.