إن الوحدة الوطنية هي عنوان الشعب البحريني وان تماسك اللحمة الوطنية هو شعار لثوابت الشعب الوطنية بحسب ما يمثل مبدأ نسيج الشعب القاعدة اليقينية الراسخة في وجدان الشعب.
لقد شيد شعب البحرين وحدته الوطنية عبر تجسيد الدلالات القطعية بارتباط النسيج الأسري والمجتمعي الراسخ في ضمائر أسر ومواطني الشعب من دون تفرقة البتة، وبلا تمييز على الإطلاق بقدر نسج قرابة الدم وتجسير لحمة التماسك العائلي ما بين الطائفتين الكريمتين للشعب الواحد قد انبثقت من صف الشعب المتماسك على كفتي ميزان العلاقة الأسرية بنسيجها العائلي والمجتمعي.
لقد أكد شعب البحرين وحدته الوطنية منذ الرعيل الأول من أولئك المناضلين.. حين سطر الأجداد للآباء والآباء للأبناء بدمائهم وعرقهم أعظم ملاحم التضحية وأقدس المواقف البطولية.. فحملوا لواء هذه (الوحدة الوطنية) في وجدانهم وغرسوا بذرتها في أرضية الواقع المجتمعي الملموس.. ابتداء من انتفاضة الغواصين في بداية عقد العشرينيات من القرن الماضي مرورا بالاضرابات العمالية عام 1938 ونضالات الصحافة البحرينية برموز أدبائها وكتابها ومفكريها ومبدعيها وعلى رأسهم الأديب والشاعر عبدالله الزايد في عقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات.
ويأتي الدور النضالي لـ “هيئة الاتحاد الوطني” في عقد الخمسينيات لترسيخ مبادئ “الوحدة الوطنية” في وجدان الشعب وفي أعماق أرضية الواقع المجتمعي بعد أن دحرت “هيئة الاتحاد الوطني” سياسة المستشار البريطاني “تشارلز بلجريف” الاستعمارية.. وبعد أن أفشلت محاولاته الطائفية.. وبعد أن أخمدت فتيل الفتنة بسياسته الاستعمارية “فرق تسد” بدق اسفين ما بين الشعب الواحد.. وبثورة هيئة الاتحاد الوطني، ضد كل مظاهر الاستعمار للبحرين حينذاك، قد رسخت الوحدة الوطنية ووأدت الاصطفافات المذهبية والفتنة الطائفية للأبد.
من هذا المنطلق فإن واقع مؤسسات المجتمع المدني في مملكة البحرين قد يذكر الجميع بأن ثمة “مبادرة وطنية” مخلصة كان لها المكانة الكبيرة في ضمير الشعب جاءت امتدادا لمبادرة “هيئة الاتحاد الوطني” الوطنية حينذاك.. بحسب ما تذكر مغازي ودلالات هذه المبادرة الوطنية التي طرحت ما قبل عامين السلطتين التنفيذية والتشريعية بأنها سبقت الأحداث الراهنة التي يعايشها الشعب والدولة خلال هذه الأيام العصيبة.. وسبقت المسيرات الجماهيرية والاعتصامات الشعبية بل سبقت كل المبادرات الوطنية الشعبية والرسمية من أجل اللقاء والتآزر والوحدة الوطنية على منضدة التفاوض والحوار.
هذه المبادرة الوطنية والتاريخية والمفصلية هي مبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي التي طرحها منذ بداية عام 2009 والتي حملت في جوهرها مكافحة الشرذمة والتشظي والخصومة والانقسامات بحسب ما سعت هذه المبادرة إلى تنقية الأجواء السياسية والعامة، وتهيئة الظروف الموضوعية والذاتية ما بين مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها السلطة التشريعية من جهة وما بين السلطة التنفيذية والمعارضة السياسية من جهة أخرى.. ذلك كله من أجل تجسير الوحدة الوطنية ما بين أفراد الشعب جميعا.. ضمن طرح مشروع لـ “المصالحة الوطنية” المتسمة بتعزيز اللقاءات وآليات الحوار واحترام تداعيات الاختلاف ودعم معايير التفاهمات ما بين السلطة والمعارضة وما بين الدولة والشعب.
لقد جاء مشروع المصالحة الوطنية لمبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي متصفا بتقبل كلمة النقد الإيجابية البناءة بصدور رحبة وآفاق واسعة ومشروطا بمنطق التسامح وبمبدأ الثقة المتبادلة ما بين مختلف الأطراف، مقرونا بمفاهيم احترام الرأي الآخر بروح معنوية عالية وبشعور الإحساس بالمسئولية الوطنية وبامتلاك الشجاعة الأدبية للاعتراف بمواطن الخلل ومواطن النقص والثغرات.
لقد جاءت مبادرة المنبر الديمقراطي التقدمي متسمة بخطاب سياسي عقلاني صادر عن معارضة ديمقراطية عقلانية ناضجة تقدمية ومستنيرة، خطاب سياسي يعالج العقبة الكأداء بسد الفجوة ما بين البنى التحتية والبنى الفوقية، تنصهر مغازي هذا الخطاب في بوتقة الرأيين (الشعبي والرسمي) في قالب مطالب الشعب وطموحاته وأهدافه.. بحسب ما حملت مبادرة المنبر التقدمي وقف تداعيات العنف، ومحاربة الطائفيين والانقسامات الطائفية والنعرات المذهبية ومكافحة المفسدين والمتنفذين والمتسلقين ومظاهر الفساد والبيروقراطية والواسطة والمحسوبية والانتهازية والتسلقية، مثلما خاطبت المبادرة الوطنية السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بحسم الشروع والبت في الملفات الرازحة في أدراجها وفي مقدمتها ملفات القوانين الأمنية والسياسية والدستورية.. بقدر ما حفزت هذه المبادرة الوطنية إلى النهوض بالتجربة الديمقراطية وبرفع أسقفها وتوسيع مساحتها بما تتماشى ومطالب الشعب وأهدافه.. ولكن هذه المبادرة الوطنية التاريخية التي طرحها المنبر الديمقراطي التقدمي لم تلاق الاهتمام المطلوب لا من قبل السلطة التنفيذية ولا السلطة التشريعية.. ولو لاقت هذه المبادرة التجاوب مع مغازيها وأهدافها لحققت المملكة والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني على حد سواء خطوة نحو الأمام في استشراف آمال المستقبل الزاهر والغد المضيء.
في نهاية المطاف يفخر الجميع من مواطني شعب البحرين بمواقف الحريصين على مصالح الشعب والوطن الذين حملوا لواء الوحدة الوطنية في ضمائرهم ووجدانهم مثلما حذروا دائما وأبدا من أن الوحدة الوطنية هي خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه أو تجاوزه بأي حال من الأحوال.. لأن هذه الوحدة الوطنية هي عنوان الشعب البحريني التي هي فوق كل اعتبار سياسي أو فئوي أو طائفي أو مذهبي.. فتحية إلى جميع الحريصين على ثوابت الوحدة الوطنية بمختلف دعواتهم الوطنية والأخلاقية المخلصة.. ولنحم جميعا نحن مواطني شعب البحرين وحدتنا الوطنية المسكونة في القلوب والعقول والذود عن سيادة وطننا العزيز المسكون في وجدان الشعب.
أخبار الخليج 4 مارس 2011