المنشور

“سيدي.. أعانك الله”! الكاتب محمد الجاسم

الكاتب : محمد عبدالقادر الجاسم
كاتب ومحامي كويتي 

في البداية أود أن أتقدم إلى مقام سموكم وسمو ولي العهد والشعب الكويتي بالتهنئة بمناسبة الأعياد الوطنية التي تشهدها البلاد. لقد تابعت بتركيز واهتمام خطاب سموكم الأخير، وتمعنت في مفرداته ومضامينه ورسالاته.. وقارنتها بخطابات وأحاديث صحفية سابقة لسموكم، فأدركت مقدار التغيير الإيجابي الذي حمله خطابكم الأخير في ميله صوب التمسك بالدستور والالتزام بأحكامه. ولست هنا في وارد رصد وتفصيل التغيير ولا التدليل عليه ولا بحث أسبابه، فالمهم هو أن خطاب سموكم الأخير جاء متأثرا، على نحو إيجابي، بما حدث ويحدث في دول عربية. كما جاء، وهذا هو الأهم، متفاعلا مع ما يدور في عقول شباب الكويت العازم على التغيير.

صاحب السمو أمير البلاد.. إن الشعب في بعض الدول العربية يتحرك ويطالب ويتظاهر.. لقد سقطت أنظمة، وهناك أخرى آيلة للسقوط.. وفي الخليج دخلت مملكة البحرين مرحلة حاسمة في تاريخها.. إن مستقبل الأسرة المالكة هناك لم يعد مضمونا.. وفي المملكة العربية السعودية انطلقت مؤخرا دعوات شعبية جادة مطالبة بالإصلاح السياسي.. إن المطلب الرئيسي في المملكتين هو تشييد المملكة الدستورية.. أي تقليص سلطات الأسر المالكة.

صاحب السمو.. إن نعمة العقل التي يتمتع بها الإنسان تدفعنا إلى التأمل فيما يحدث حول الكويت، كما يدفعنا حبنا لبلادنا ولأسرة الحكم فيها أن نتحدث بكل صراحة صونا لمستقبل البلاد وحرصا على مستقبل أسرة الحكم فيها، لذلك دعني أصارحك يا صاحب السمو فأقول: الكويت في حاجة ماسة إلى التزام ذرية مبارك الصباح بالدستور.. التزام فعلي لا نظري. فإذا كانت مطالب الشعب الكويتي في عهدك هي تفعيل الدستور، فإنه لا شيء يضمن عدم تغير تلك المطالب في عهد غيرك وتشددها. اليوم لدينا دستور حفظ الإمارة لذرية مبارك الصباح، وقد التزم الشعب بنصوص الدستور وبإمارتكم في كل الأوقات، وما كارثة الغزو إلا الدليل على وفاء الشعب والتزامه بالمادة الرابعة من الدستور. وفي المقابل فإن الدستور جعل الأمة مصدر السلطات في ظل نظام حكم ديمقراطي تصان فيه حقوق الإنسان، وما نريده من ذرية مبارك الصباح هو الالتزام الفعلي بحقوقنا وبواجباتهم. إن معادلة الإمارة الدستورية التي أقامها دستور 1962 هي الضامن لاستقرار إمارة ذرية مبارك الصباح واستقرار البلاد وتطورها، وهي الوصفة التي توفر لكم ولنا مناعة ضد الاضطراب. لقد أدى غياب الحكم الديمقراطي وإنكار حقوق الإنسان إلى سقوط أنظمة ذات قبضة حديدية استقوت بالخارج فلفظها الشعب وتخلى عنها الحلفاء!

سيدي صاحب السمو.. لقد وجدت في خطابكم الأخير ما يرشدني إلى أن فكرة الدولة البوليسية ومنهج قمع الحريات الذي تبنته الحكومة الحالية في الفترة السابقة على ثورتي تونس ومصر قد ولت إلى غير رجعة.. وهذا يعني أن الكويت لن تشهد استخدام القوات الخاصة لضرب المواطنين وغيرهم، ولن تشهد زج أصحاب الرأي في السجون.. لكن هذا التراجع من (الحكومة) لا يكفي يا صاحب السمو.. نعم لا يكفي، فلا أظن أن الكويت تقبل أن يبقى في منصبه من ضرب وأهان أعضاء مجلس الأمة.. الكويت لن تقبل بقاء من سجن وآذي أصحاب الرأي.. الكويت لن تقبل بقاء من ضرب وسحل أستاذ جامعي.. الكويت لن تقبل بقاء من استخدم المال السياسي والرشوة والفساد.. الكويت لن تقبل بقاء من لا يملك الكفاءة والأمانة لإدارة شؤون البلاد.. الكويت لن تقبل بقاء من مزق الوحدة الوطنية.. الكويت لن تقبل بقاء من خرب مجلس الأمة.. الكويت لن تقبل بقاء من يسعى إلى إفساد القضاء. باختصار.. الكويت تريد التغيير.. تغيير الأشخاص والمنهج، فلا مجال لاستمرار الوضع القائم.

سيدي صاحب السمو.. حين تقول في خطابكم الأخير: “إن كويت الوطن لم تكن يوما لجماعة بذاتها أو لفريق دون آخر ولم تكن في سماتها أبدا قبلية أو طائفية أو فئوية..”، فهذا يعني أن السلطة سوف تتوقف عن دعم وتشجيع الطرح الفئوي وتمزيق المجتمع لأن السلطة هي الفاعل.

وحين تقول يا صاحب السمو: “وإذ أجدد اليوم التأكيد بأن التزامنا بالنهج الديمقراطي وبالحرية المسؤولة ثابت وراسخ ومتجذر وهو خيارنا جميعا الذي لا رجعة فيه فإن الدستور يمثل العقد الذي ارتضيناه حكما عادلا يعمل الجميع تحت سقفه وفي إطاره وهو الانجاز الحضاري الذي نفتخر به ونعتز وسأعمل دوما من أجل صيانته وحمايته..”، فإن هذا يعني أن السلطة سوف تتوقف عن مشروعها الدائم الساعي إلى التخلص من الحكم الديمقراطي، وأن السلطة لن تقبل باستمرار سياسة إفساد الشعب ونوابه وتخريب مؤسساته.

وحين تقول يا صاحب السمو: “ولا شك بأن الديمقراطية تعني لغة الدستور والقانون والحرية المسؤولة المحكومة بالأطر القانونية المحددة التي تحقق المصلحة الوطنية العليا وتتيح الرقابة والمساءلة والنقد الموضوعي لكل خلل أو تقصير ولم تكن يوما أداة للفوضى والإنفلات والتشكيك والتحريض..”، فإن هذا يعني أن السلطة سوف تعتذر لمن أساءت إليهم وشككت في وطنيتهم وزجت بهم في السجون واعتدت عليهم بالضرب، وأن السلطة سوف تتقبل ممارسة مجلس الأمة دوره الرقابي وأنها لن تضيق بحرية الصحافة.

وحين تقول يا صاحب السمو: “إننا في الكويت ندعو دائما إلى التخطيط الشامل سبيلا علميا وعمليا لتحقيق التنمية المستدامة وإنجاح مشروعاتها المستهدفة وإنني أؤكد على أن قضيتنا المركزية في التنمية تقوم على بناء الإنسان باعتباره المكون الأساسي في مواجهة قضاياها..”، فإن هذا يعني أن السلطة سوف تتوقف عن استخدام “التنمية” في حشد الأتباع، وأن التنمية لن تكون “منجم ذهب” للبعض، ويعني أيضا أن السلطة تنوي احترام المواطن الكويتي وحقوقه وضمان تمتعه بثرواته، وأن السلطة تنوي تطوير التعليم.

وحين تقول يا صاحب السمو: “ولا يفوتني أن أنوه بدور شبابنا الواعد في صناعة الغد المأمول فهو حجر الزاوية في أي بناء وإنجاز..”، فهذا يعني أن السلطة سوف تستمع إلى رأي الشباب الساعي إلى التغيير وتمنحهم ما يستحقونه من اهتمام.

وحين تقول يا صاحب السمو: “وقدرنا أن تتربع أرضنا الطيبة على رأس الخليج العربي متوسطة بذلك منطقة مثقلة بتفاعل الأحداث والتطورات والمتغيرات المتسارعة وهو ما يقتضي منا التزام الحذر واليقظة وحسن ترتيب الأوليات في ضوء قراءة نافذة ومتابعة واعية لتداعياتها وإسقاطاتها أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأن نهيئ العدة لدرء الاخطار والتحديات التي تحملها إلى ساحتنا المحلية قبل فوات الأوان..”، فإن هذا يعني أن تغيير أشخاص ومنهج السلطة آت لا محالة وبشكل تلقائي قبل فوات الأوان.. تغيير جاد حقيقي يجنب الكويت مخاطر جسيمة من خلال تبني استراتيجيات مدروسة لا من خلال إدارة ارتجالية غارقة في “التكتيك”.

وأخيرا، حين تدعو يا صاحب السمو الجميع إلى “الحرص على تسييد القانون والحذر من مغبة الاستقواء بغيره داعيا في آن معا إلى التحصن بسلطان قضائنا نزيها عادلا مستقلا والالتزام بمنظومة دولة القانون والمؤسسات..”، فإن هذا يعني أن إصلاح القضاء وتخليصه من هيمنة السلطة قادم لا محالة، وأن السلطة تعتزم الالتزام بالقانون ولن تلجأ إلى القوة.

سيدي صاحب السمو أمير البلاد.. لم أكن أريد الإطالة في الحديث، لكن الكويت اليوم أمام فرصة تاريخية لن تتكرر لتجديد الدولة.. فمطالب الشعب الكويتي اليوم بسيطة، وتكلفة الاستجابة لها لا تذكر.. فالشعب الكويتي يريد من السلطة أن تلتزم فعلا لا قولا بالحكم الديمقراطي الدستوري.. ويريد أن تتوقف السلطة عن تمزيق الوحدة الوطنية.. ويريد أن تتوقف السلطة عن دعم الفساد والفاسدين.. الشعب الكويتي يريد قضاء نزيه مستقل يتمتع بكفاءة.. يريد وزراء أكفاء.. الشعب يريد من السلطة أن تتوقف عن التدخل في الانتخابات وعن استخدام المال السياسي.. الشعب يريد من السلطة أن تعتذر لمن ضرب وأهين أو سجن بلا ذنب..

سيدي صاحب السمو أمير البلاد.. إن الاستجابة المبكرة التلقائية لما يريده الشعب تمنح الكويت مناعة مضادة للفوضى..

إن الشعب، وبعد انتهاء احتفالات العيد الوطني، ينتظر منكم إطلاق صافرة التغيير نحو منهج جديد.. حكومة جديدة.. مرحلة جديدة.

سيدي صاحب السمو.. أعانك الله، فأحمال هذه الأيام ثقيلة وجسيمة.. الشعب ينتظر إيماءة الحكم الحقيقية نحو التغيير.. نحو إعادة الاعتبار لمشروع الدولة.. إن الشعب يتطلع إلى إقالة الحكومة الحالية.. وإلى التشكيل الحكومي الجديد.. وإلى المنهج الجديد، وغير هذا تضييع للوقت واستدراج لأزمة عميقة.
 
موقع محمد عبدالقادر الجاسم حرر في 27 فبراير 2011