اغلب حواراتنا اليوم عقيمة لا يسمع المرء منها إلا رجع صوته؛ فبعضنا يتكلم صيني والآخر أرجنتيني ولا نرى إمكانيةً للتفاهم في غياب لغة مشتركة في البلاد ! بعضنا يؤمن بالديمقراطية وما تأتي به من حقوق : كحق الاعتصام وحق الإضراب وحق العصيان المدني، والبعض يدعي الإيمان بالديمقراطية – إنما- على طريقة القذافي لما قال مخاطباً الثوار ” تظاهروا إن أردتم –ولكن- لا تخرجوا للشوارع” !!
مشكلتنا الأم اليوم إننا لسنا متفقين على الأساسيات ولا حتى على حق الاختلاف، فكلنا يعشق البلد -نعم- ولكن بطريقته: بعضنا يجسد الحب في الدفاع عن استقرار الأوضاع كما هي ويرى الحكمة في عدم استعجال التغيير، فيما يرى الآخر أن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح وأن من يحب البلاد عليه أن يدفع بها لتكون دولة دستورية ديمقراطية.. ولهؤلاء جميعاً سنعيد مجددا علهم يقرؤوا بضمائرهم بعيداً عن التحامل والطائفية :
الجموع التي خرجت وعرضت نفسها للضرب والقتل لم تخرج للنزهة، ولا لأنها مشتاقة للهواء الطلق أو لرائحة مسيل الدموع، خرجت لأنها موجوعة.. لأنها تشعر بالظلم.. ليسوا إرهابيين ولا طائفيين لأنهم طالبوا بحقوقهم.. المطالبة بالعدالة وبسلطات أوسع للشعب ليست بطرا ولا كفرا ومن حق هؤلاء ان يُسمع ويُستجاب لهم ومن واجبنا جميعاً أن نساندهم بما فينا المترفين وغير المتضررين من التمييز أو غياب العدالة.. لا يجب أن تكون فقيرا لتقف مع الفقراء ولا عاطلا لتدعم العاطلين ولا مظلوما لتنصر المظاليم.. فقط عليك أن تكون إنساناً لتستشعر بآلام غيرك من البشر.. وكلنا يرى الناشطين في الغرب كيف يحتجون على انتهاك حقوق جماعات في أقاصي الأرض لا يجمعهم بهم لا دين ولا عرق ولا أقليم بل الإنسانية والإنسانية فقط..
إن كل ما نراه اليوم من احتقان سببه شعور كل طرف بأن الآخر ينتقص منه ويجحفه، المسألة ليست صراعاً بين السنة والشيعة كما يريده البعض أن يكون بل بين الشعب والسلطة.. بين فئات مؤمنة بأنها متضررة من غياب العدالة وفئات تخاف من أن تسلبها تلك العدالة امتيازاتها أو تغير حياتها للأسوأ.. والحق أن كلنا سيحصد غدا ثمار هذه المطالبات إن أينعت.. لذا ندعو الشعب بأكمله للمساندة ومن لم يساند فليكتفي بالمشاهدة عوضا عن حذف من يزرع بالحجر !
موقع لميس: نشر بتاريخ 26 فبراير 2011