هناك أربع سمات مشتركة بين الأنظمة الساقطة والآيلة إلى سقوط قريب، مثلما هناك أربع ذرائع مستخدمة للتضليل السلطوي لجأت وتلجأ إليها هذه الأنظمة، وبعد ذلك نستطيع أن نلحظ أربع خطوات متتابعة في سيناريو السقوط المحتوم لهذه الأنظمة.
فالسمات العامة الأربع للأنظمة الساقطة والآيلة للسقوط تتلخص في استبداد هذه الأنظمة، مع فوارق محدودة في نوعية الغطاء الشكلي الذي تستخدمه لتغليف استبدادها وتمويهه، بين دستور علماني وأحزاب مقيدة في تونس، ونظام دستوري شكلي وحريات محدودة وانتخابات مزيفة في مصر، ومجالس جماهيرية مبتدعة في ليبيا… فيما يشكّل الفساد المستشري السمة الأخرى لهذه الأنظمة، وهو فساد يعمّ الحلف الطبقي الحاكم ويربطه بشبكات من العلاقات النفعية مع أطراف واسعة مستفيدة منها، تمثّل القاعدة الاجتماعية للنظام السلطوي… أما السمة الثالثة لهذه الأنظمة فتتمثّل في تبعيتها للغرب الإمبريالي وتواطؤها مع العدو الصهيوني، وأخيرا، تبرز السمة المشتركة الرابعة لهذه الأنظمة في انسداد الأفق التنموي الوطني المستقل لبلدانها.
وإلى جانب هذه السمات الأربع لهذه الأنظمة نلحظ أنّ هناك أربع ذرائع شائعة للتضليل السلطوي لجأت إليها الأنظمة الساقطة وتلجأ إليها الأنظمة الآيلة إلى السقوط وذلك للدفاع عن وجودها ومواجهة التحركات الاحتجاجية والانتفاضات الشعبية المندلعة ضدها، تتمثّل في: ذريعة المؤامرة الخارجية التي تحرّك هذه الاحتجاجات وتسند الانتفاضات، فمرة هي مؤامرة أجنبية من دون تحديد، ومرة هي مؤامرة الحليف الأميركي، التي لا يمكن تصديقها، ولا بأس بعد ذلك من اتهام إيران، فقد يفيد مثل هذا الاتهام في حالات معينة مثل مصر واليمن، أما القذافي فقد تمادى وصوّر ما يحدث في ليبيا بأنّه جزء من مؤامرة يشارك فيها جيرانه المصريون والتونسيون، الذين يتهمهم بنقل عدوى الثورة إلى ليبيا ثورة الفاتح…ويترافق ذلك مع ذريعة التخويف من خطر التطرف الإسلامي والتلويح بفزاعة سيطرة الإسلاميين على السلطة… وما لم تجد الذريعتان السابقتان نفعا؛ يتم اللجوء إلى ذريعة التهديد بالفوضى، ولا بأس من تقديم عينات عملية ملموسة من هذه الفوضى الموجهة، مثلما فعل نظاما بن علي ومبارك البائدان في الأيام الأخيرة قبيل رحيلهما… وأخيرا، يتم اللجوء إلى التضليل العاطفي، مثلما فعل مبارك في خطابيه الأخيرين المؤثرين لحظيا.
وأما الخطوات الأربع لسقوط الأنظمة فتبدأ بخطوة المكابرة والإنكار، التي سرعان ما تتداعى تحت وطأة الحركة الثورية، لتعقبها خطوة القمع المفرط، التي تجاوز فيها نظام القذافي كل الحدود والحواجز والضوابط والاعتبارات… وبعدما يزداد الضغط الشعبي على نحو لا يجدي معه القمع نفعا يتم اللجوء إلى خطوة الدعوة إلى إجراء الحوار مع المعارضة، التي سرعان ما يتضح زيفها وتُطوى صفحتها… وأما الخطوة الأخيرة السابقة لخطوة السقوط فهي خطوة تقديم بعض التنازلات الشكلية والإصلاحات المتأخرة، التي فات أوانها، بحيث لم يعد هناك من خيار بعدها سوى خيار التغيير.
هذا ما انطبق على الحالتين التونسية والمصرية، فيما نشهده على نحو أسوأ في ليبيا، وشهدنا جزءا منه في اليمن، ولعلّه تكرر أو قد يتكرر على هذا النحو أو ذاك في بلدان أخرى شهدت حركات احتجاجية وانتفاضات شعبية أو هي مرشحة لذلك في القريب العاجل، مع فوارق في التفاصيل وتفاوت في الجزئيات وتشابه في النتائج والتداعيات.
عالم اليوم 22 فبراير 2011