«الشعب مصدر السلطات جميعاً» هذا النص تجده في معظم الدساتير في العالم، وان اختلف المحتوى والنص من دستور إلى آخر، وفق هذا النص الدستوري الصريح الواضح تتأسس الدولة المدنية الديمقراطية، وتضع مقوماتها الأساسية، لوجودها وتأدية واجبها الدستوري، اتجاه مواطنيها، والديمقراطية تعني حكم الشعب، وهي كلمة إغريقية قديمة، بدأت في الدولة اليونانية القديمة، الديمقراطية، منظومة شاملة في أبعادها السياسية والاجتماعية، وهي ممارسة من خلال التطبيق لها على واقع بلداننا ولكنها لم تمارس في البلاد العربية، إلا في حالات محدودة وكانت في كل الأحوال والظروف مقيدة ومشروطة ومجزئة، لم تتوفر مقومات صحيحة لقيام ديمقراطية في مجتمعاتنا، حتى عندما قامت الانقلابات العسكرية في العديد من البلدان العربية، ونشأت على أنقاض الأنظمة الملكية والإقطاعية، أنظمة أطلقت على نفسها، أنظمة جمهورية، حيث أول ما قامت به تلك الأنظمة، إلغاء الأحزاب السياسية، وحل المجالس التشريعية المنتخبة في بلداننا والتضييق على أصحاب الرأي الآخر، ومصادرة الحريات العامة، مثل حرية التعبير والإعلام والتنظيم، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، النقابات والاتحادات العمالية والطلابية والنسائية والشبابية، وإحلال محلها منظمات تابعة للحزب الحاكم، ومورست سياسة الترهيب والقمع بتكميم الأفواه للمعارضين بما فيهم أعضاء الأحزاب الحاكمة، الذين لهم رأي آخر، في هذا الشأن أو ذاك، أهينت كرامة الإنسان العربي وتحولت تلك الأحزاب الحاكمة، وبعضها عقائدي إلى أحزاب عائلية وأخرى عسكرية، وأصبح الأمين العام أو الرئيس أو القائد للحزب، الرجل الأقوى وصاحب القرار في الحزب والسلطة، أما الحديث عن الانتخابات في المؤتمرات العامة في تلك الأحزاب السياسية الحاكمة، فحدث ولا حرج، فالقائد هو الذي يختار القيادة ويضع قائمة بالأسماء المختارة للهيئات القيادية للحزب، من هنا يبدأ التسلط والانفراد بالقرار ومصادرة حق الأعضاء في الاختيار الحر والديمقراطي، للأشخاص القياديين، وتنتقل عدوى الممارسات غير الديمقراطية من حزبه إلى الشعب، ويصبح يمارس تلك الأساليب القمعية ضد أبناء شعبه، بعد ان مورست ضد رفاقه وزملائه قيادة الدولة والحزب، لهذا ابتلى الوطن العربي بحكام، لا يؤمنون بالديمقراطية والتعددية، وأصبحت الثقافة السائدة، ثقافة التسلط والطغيان في معظم البلاد العربية، تم اغتيال العديد من الشخصيات المتخصصة في العديد من المجالات العلمية والمهنية والكوادر الحزبية لأنها ترفض الانصياع لأوامر القائد وحاشيته وما يقومون به من أفعال شنيعة ضد الناس وكان يقوم بتلك الأدوار المنافية لأبسط حقوق الإنسان، وبعض الأنظمة العربية عسكرت المجتمعات، والعديد من تلك الأنظمة فاقت ممارستها النظامين الفاشي والنازي المقبورين في ايطاليا وألمانيا، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 من القرن الماضي، وبالمقابل ترهلت وشاخت العديد من أحزاب المعارضة، وبالأخص الأحزاب اليسارية والتقدمية والقومية ولم تجدد قياداتها وبعضها شارك بممثلين عنه مع تلك الأحزاب الحاكمة ولم يكن له دور يذكر، ومن جهة أخرى، ازداد نفوذ الأحزاب والتيارات الإسلامية، وبسبب التركيبة الحزبية والعقائدية، نشأت الخلافات والتباينات بين أحزاب المعارضة في العديد من البلدان العربية، وتلك الأحزاب.
وذهبت ابعد من ذلك برفع شعارات دينية، مثل شعار «الإسلام هو الحل» في العديد من الحملات الانتخابية والذي يعني لا أهمية للديمقراطية والتعددية، إذا فازت فيها ، وبالفعل استلمت تلك الأحزاب الدينية السلطة في بعض البلدان العربية، السودان وقطاع غزة وحصولها على أعداد كبيرة في العديد من المجالس النيابية والبلدية، وسارعت في طرح شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، واسلمت القوانين والتشريعات المدنية، عزز هذا الطرح من انعدام الثقة ما بين قوى المعارضة وهي المفككة والضعيفة في معظم الدول العربية، هذا التباين والاختلاف في مفهوم بناء الدولة والديمقراطية لم يساعد على بناء قوى معارضة قادرة على المطالبة بقيام نظام وطني ديمقراطي قائم على التعددية الحزبية وعصرنة القوانين والتشريعات، يضمن حقوق الافراد والجماعات بما فيها الاقليات،
والتأكيد على أهمية التداول السلمي للسلطة، وافساح المجال امام هيئات ومنظمات المجتمع المدني لتمارس نشاطها بحرية تامة، وفقا للقانون والدستور.
كان سائدا في معظم البلدان العربية، شعور بان الجيل الجديد والمقصود «الشباب» جيل الانترنت والفيسبوك ،خامل، كسول، لا يمتلك روح المبادرة وغيرها من النعوت تجاه الشباب، ولكن الذي حدث من خلال انتفاضة أو ثورة الياسمين، ثورة الحرية في تونس، وبعدها انتفض شباب مصر، في 25 يناير الماضي، ليعلن عن بدء الثورة السلمية ونستطيع القول إننا في مرحلة جديدة تنشأ على أنقاض الماضي، انه تاريخً جديدٌ يسطَره هذا الجيل.