في هذه اللحظة الدقيقة التي يجتازها وطننا العزيز وشعبنا البحريني هناك حاجة ملحة، وحتى غير مسبوقة، للإعلاء من فكرة الوحدة الوطنية في الظرف الراهن الذي نعيشه. التأكيد على هذه الفكرة ليس ترفاً، ولا من باب القول المرسل الذي اعتدناه في السنوات الماضية يوم كنا نؤكد في شعاراتنا على ما بات مؤكدا في وجدان الناس وأذهانهم حول هذه المسألة.
فالوحدة الوطنية لمجتمعنا في خطر جراء المساعي المحمومة التي تقف وراءها أكثر من جهة، لتفادي استحقاقات الإصلاح الكبرى، وتبدو أوجه الخطر على الوحدة الوطنية في المجتمع ماثلة بصورة خاصة في المقاربات السياسية التي ترمي لتصوير التناقض أو الصراع في المجتمع كما لو كان صراعا بين الطوائف والمذاهب، لا بين المصالح الاجتماعية والسياسية المختلفة، التي من شأنها أن توحد المواطن الشيعي البسيط مع أخيه السني البسيط في المطالب والطموحات.
وهو الأمر الذي عرفناه في الخمسينيات، أيام هيئة الاتحاد الوطني، وفي انتفاضة مارس المجيدة عام 1965، وفي النضالات العمالية والجماهيرية في السبعينات والثمانينات قبل أن تتسيد المحولات التي أعادت فرز المجتمع على أسس واهية وهشة، خالقة الوهم لدى أفراد كل طائفة بأن الخطر الذي يتهددها آت من الطائفة الأخرى، مما يدفع الجميع إلى التخندق داخل شرنقة طائفته بدل الانصهار في البوتقة الوطنية الشاملة، وتعزيز القناعة بأن مطالب الشعب وحقوقه واحدة، فكل أبناء هذا الوطن يريدون الحياة الحرة الكريمة والحقوق السياسية.
كلنا، من موقعه في الإعلام وفي العمل السياسي وعلى منابر المساجد والجوامع، وفي أي موقع آخر مطالب بالنأي عن كل ما من شأنه أن يخلق أو يعزز مزاجاً طائفياً هنا أو هناك، والكل مطالب بأن يُعلي من فكرة الوحدة الوطنية في اتجاه تغليب المشتركات الوطنية والاجتماعية على أوجه التعارض، باعتبار ذلك الطريق المجرب في اتجاه العمل من اجل اصلاحات سياسية عميقة، ويعزز مسار التحول باتجاه حياة ديمقراطية حقة قائمة على الفصل بين السلطات وتأمين شروط المملكة الدستورية التي نص عليها ميثاق العمل الوطني، وهي مهام كبرى لن تنجز إذا ما استمر الدفع بالمجتمع نحو الاصطفافات المذهبية أو الطائفية التي ستعيدنا عقودا إلى الوراء وستصــرف الأنظـــار عن مهام التحول الديمقراطي الحقيقي الذي ناضل شعب البحرين وضحى في سبيله.
البحرين وطن بجناحين، وليس بوسع الطائر أن يطير بجناح واحد.