بعد العرض الذي قدمناه للخطوط العامة للموازنة العامة البحرينية للسنتين الماليتين 2011 و2012 يمكننا وضع القراءة الأولية لموازنة السنتين الماليتين 2011 و2012 على النحو التالي:
أولاً: إن نسب الزيادة الكبيرة في ميزانية المشاريع لموازنة 2011 (3 .73%) وميزانية المشاريع لموازنة 2012 (95%) ونسب الزيادة المتوسطة في مخصصات الإنفاق الجاري لموازنة 2011 (5 .18%) ومخصصات الإنفاق الجاري لموازنة 2012 (5 .14%) تعني أننا أمام موازنتين (2011 و2012) توسعيتين في الإنفاق الرأسمالي والجاري أو بالتعبير الاقتصادي أمام سياسة مالية توسعية، وهي سياسة تتسم عادة بتخطي الإنفاق الحكومي للإيرادات الحكومية خصوصاً إيرادات الجباية الضريبية (من رسوم وخلافه) . وهذه السياسة تختلف عن السياسة المالية الوسطية أو الحيادية التي تنحو نحو الموازنة الاقتصادية وتتسم بإيرادات حكومية عالية تغطي كامل الإنفاق الحكومي .
ثانياً: تستند تقديرات موازنتي 2011 و2012 وكلها بالمناسبة مؤسسة على الإيرادات النفطية التي تشكل حوالي 80% من الموازنتين تستند إلى توقعات لمتوسط سعر برميل النفط لعامي 2011 و2012 قدره 80 دولاراً .
هذه التوقعات وإن بدت مطمئنة إلى تقييمات متوافقة لنمو الطلب العالمي على النفط 2011 تنطوي أيضاً على قدر غير قليل من المخاطرة . إذ إن هذا الطلب العالمي المتوقع على النفط يستند في الواقع إلى نمو اقتصادي عالمي لازال هشاً حتى بعد مرور سنتين على اندلاع الأزمة المالية/الاقتصادية العالمية .
فالمعروف أن الاقتصاد العالمي قائم على عجلة ذات دفع رباعي، إن جاز التعبير . العجلة الأولى ويمثلها الاقتصاد الأمريكي والعجلة الثانية وتمثلها اقتصادات بلدان الاتحاد الأوروبي والعجلة الثالثة ويمثلها الاقتصاد الياباني، وأخيراً العجلة الرابعة وتمثلها بلدان الاقتصادات الصاعدة وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل وروسيا وبلدان جنوب شرق آسيا . وبنظرة سريعة على هذه الاقتصادات فإن الاقتصاد الأمريكي لازال يعاني من تراكم مديونيته التي اقتربت من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بثلاثة عشر تريليون دولار، ومن عجز موازنتها الذي قُدِّر هذا العام ب 5 .1 تريليون دولار، فضلاً عن مشاكل الاختلالات الهيكلية الداخلية للاقتصاد نفسه . أما الاقتصاد الأوروبي فلقد خرج من عام 2010 مترنحاً تحت وقع الضربات المتوالية لأزمة المديونيات التي انتقلت من اليونان إلى أسبانيا والبرتغال وأيرلنده . كذلك الحال بالنسبة للاقتصاد الياباني الذي ينازع لاسترداد تنافسيته السلعية المفقودة . وتبقى اقتصادات البلدان الصاعدة وحدها التي تؤدي نمواً بشكل جيد . ومن غير المتصور أن يتمكن الاقتصاد العالمي من الاعتماد طويلاً على عجلة واحدة لتأمين استمرار قوة دفعه .
وبهذا الصدد لعل من المفيد التذكير بأن تقديرات موازنتي 2007 و2008 قد تم وضعها في ظل سيادة الاتجاه الصعودي لأسعار النفط الذي بدأ منذ عام 2004 ولذلك كان مفاجئاً، خصوصاً لواضعي هذه التقديرات، انهيار أسعار النفط بصورة دراماتيكية من أعلى مستوى بلغته وهو 147 دولاراً في يوليو 2008 إلى أقل من 33 دولاراً بنهاية ،2008 حيث انخفض سعر البرميل 5 .17% عن السعر الذي بُنيت عليه تقديرات إيرادات الموازنة لعامي 2007 و2008 وهو 40 دولاراً للبرميل .
أيضاً للتذكير فإن الإيرادات المفترضة في موازنة السنتين الماليتين 2009 و2010 قد تم احتسابها على أساس 60 دولاراً للبرميل . وكانت التقديرات الأولية للإيرادات قد احتسبت في الأصل على أساس 90 دولاراً للبرميل قبل أن يعاد النظر في هذا الرقم المبالغ فيه ويتم إنزاله بواقع الثلث ورغم هذا التخفيض لتقديرات الإيرادات فإنه لم يحل دون حدوث عجز افتراضي في موازنة السنتين الماليتين المذكورتين بلغ 190 مليون دينار في موازنة 2009 و239 مليون دينار في موازنة 2010 .
وقد تكون هذه المعطيات الظرفية هي التي حدت بعضوين اثنين على الأقل من مجلس الشورى البحريني بإبداء تحفظهما على تقويم إيرادات موازنتي 2011 و2012 على أساس سعر 80 دولاراً للبرميل . حيث رأى أحدهما في لقاء صحفي، وكان الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة بأن سعر 60 دولاراً ربما كان أكثر واقعية لجهة التحوط وأخذ نسبة معينة من المخاطرة التقديرية (السعرية) بعين الاعتبار . فيما ذهب العضو الآخر وهو سعود كانو، إلى أن سعر المخاطرة المقبول في ظل هشاشة النمو الاقتصادي العالمي ووجود مؤشرات إحماء اقتصادي زائد عن الحد وتضخم في الصين، ربما انطويا على بوادر فقاعة سيؤدي انفجارها إلى الإطاحة بالنمو الاقتصادي غير المتماسك بعد .
الخميس ,17/02/2011