لعلّي لست مبالغا عندما أكتب مقررا أنّ ما يربط البحرين والكويت من علاقة تاريخية خاصة يدفع الكويتيين بالضرورة إلى متابعة الشأن البحريني وكأنّه شأنهم الخاص؛ مثلما اعتدنا أن يتابع أهل البحرين الشأن الكويتي ويرونه جزءا من شأنهم الوطني.
ومنذ يوم أمس شهدت البحرين انطلاق حركة احتجاجات شعبية شملت عددا من المناطق والقرى تعرضت إلى قمع بوليسي نجم عنه سقوط ضحايا وجرحى ما أدى إلى اتساع نطاق الاحتجاجات وتطورها على نحو غير مسبوق قد يأخذ أبعادا خطيرة ويمكن أن تتداعى معه الأوضاع سريعا بحيث يصعب التحكّم فيها وتقدير اتجاهاتها، بل ربما تتسع وتمتد إلى بعض دول الجوار الخليجي.
ومن المهم ونحن نتابع أحداث البحرين أن نفهم طبيعة الأزمة العميقة والمتفاقمة التي تعيشها البحرين منذ سنوات وقادت إلى ما نشهده اليوم من حوادث وما يمكن أن تؤول إليه من تداعيات وتطورات.
فقد جاء استقلال البحرين في العام 1971 نتيجة كفاح وطني وتضحيات جسام قدمها الشعب البحراني للخلاص من الاستعمار البريطاني كان أبرزها الانتفاضة الوطنية في العام 1956 تحت راية “هيئة الاتحاد الوطني” والانتفاضة الشعبية الواسعة في مارس 1965، ولاحقا بعدما قررت
بريطانيا الانسحاب من قواعدها العسكرية شرقي السويس وبينها قاعدتها في البحرين انطلقت عملية ترتيب استقلال الدولة الوليدة، التي سبقها استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة في العام 1970 للتعرّف على إرادة شعب البحرين بعد انتهاء الحماية البريطانية، وذلك لحسم أمر ادعاءات نظام الشاه بتبعية البحرين لإيران، وقد اختار البحرانيون جميعا أن تكون البحرين دولة مستقلة في ظل إمارة أسرة آل الخليفة… وانطلق بعد استقلال البحرين مسار ديمقراطي تمثّل في انتخاب مجلس تأسيسي وإصدار دستور تعاقدي في العام 1973 شبيه إلى حدٍّ كبير بدستور الكويت الصادر في العام 1962 مع فروق بسيطة في عدد أعضاء البرلمان وحصر توارث الإمارة في ذرية الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة… وجرت انتخابات المجلس الوطني الأول، ولكن هذا المسار الديمقراطي الوليد سرعان ما توقف في العام 1975 تحت تأثير النزعة السلطوية الرافضة للحياة الدستورية والديمقراطية.
وعاشت البحرين نحو ربع قرن في ظل وضع غير ديمقراطي امتد بين أغسطس من العام 1975 إلى العام 1999 عندما تولى عاهل البحرين الحالي مقاليد الحكم، شهدت البحرين خلالها العديد من الانتفاضات والتحركات الاحتجاجية وأعمال العنف والمطالبات الشعبية والنخبوية بعودة العمل بدستور 1973، التي جوبهت بالقمع السلطوي، واستمرت الحال كذلك إلى أن أطلق الملك حمد بن عيسى عندما كان أميرا مبادرة للانفراج السياسي بدأت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة مئات المنفيين في الخارج، والدعوة إلى تنظيم استفتاء شعبي عام حول ميثاق وطني يؤسس لقيام نظام ملكي دستوري وعودة المجلس الوطني المنتخب مع مجلس معيّن ينحصر عمله في الجانب الاستشاري.
وقد استجابت المعارضة بمختلف أطيافها لتلك المبادرة وصوتت الغالبية الشعبية مؤيدة الميثاق الوطني في فبراير من العام 2001 قبل عشر سنوات من أيامنا هذه، إلا أنّ المبادرة الإصلاحية لم تتحقق على النحو المتفق عليه في الميثاق الوطني، إذ لم تتم العودة إلى دستور 1973 التعاقدي، وإنما جرى في فبراير من العام 2002 إصدار دستور جديد غير تعاقدي من دون المرور بآليات برلمانية؛ يتضمن قيام نظام ملكي واسع الصلاحيات، وينشئ مجلس شورى ذا صلاحيات تشريعية يضم أربعين عضوا معينا ينازع مجلس النواب المنتخب سلطاته، وهذا ما أدى إلى خيبة أمل عبّرت عنها مختلف القوى السياسية، وتمّ وضع قانون انتخابي يفتت الدوائر الانتخابية إلى أربعين دائرة صغيرة وفق تقسيمات فئوية مقصودة… وعندما جرت أول انتخابات للمجلس النيابي انقسمت الجمعيات السياسية فشارك بعضها فيها وقاطعها البعض الآخر، قبل أن يشارك معظم الجمعيات في الانتخابات اللاحقة في العامين 2006 و2010 ما عدا جماعة “حق”.
والمؤسف أيضا، ما حدث من تراجع عن العديد من المكتسبات الديمقراطية المحدودة، التي تحققت بعد إقرار الميثاق الوطني، إذ تمّ التضييق على الجمعيات السياسية، وفرض قيود على حرية الصحافة… هذا على الصعيد السياسي، أما على الصعيد الاجتماعي فهناك ممارسات تمييزية مؤسفة ضد المواطنين من أبناء الطائفة الشيعية، التي تشكّل الغالبية، في الوقت الذي تجري فيه عمليات تجنيس سياسية بهدف تغيير التركيبة السكانية للمجتمع البحراني… ويزيد الطين بلّه الضغوط والمصاعب المعيشية التي يعانيها غالبية الشعب البحراني، خصوصا أزمة البطالة، فيما يستشري الفساد واستغلال النفوذ وتتكشف مظاهر من البذخ الاستفزازي.
ومن الطبيعي في ظل أوضاع كهذه أن تتفاقم الأزمة العامة وتصل إلى ما وصلت إليه، بل ربما تتجاوزه إلى ما هو أبعد، وذلك مالم يتم تداركها والعمل سريعا على حلّها.
عالم اليوم – 16 فبراير 2011