الكاتب : محمود المنير – كاتب مصري
أسقط الشعب التونسي رئيسه المخلوع بن على وعلى إثره أسقط الشعب المصري حسنى مبارك فهوى ، ولم يستغرق سقوط الرجلين بضعه أسابيع رغم تحصنهما بنظام بوليسي قمعي لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلا ، فهل يعى غيرهما من الحكام الدرس على بساطته ؟! الشواهد والأيام القادمة هي من تحدد من استوعب الدرس ومن سيتمادى في غيه فيعرض نفسه للسقوط المدوي كمن سبقه من الطغاة.
ولكن يجدر بنا أن نقف على أبرز عشرة أخطاء أو الخطايا الفادحة التي أدت إلى سقوط بن على ومبارك ومن سيستمر على نهجهما .
كلاهما ادعى الفهم وأثبتت الأحداث أنه لم يفهم ، وكلاهما توسل للشعب أن يعطيه فرصة أخرى فلم يُعطيَ ، وكلاهما عاند وتمادى في العناد فكان الشعب أشد بأسا في حرب الإرادات وأبقى ، ويبدو أن بن على ومبارك ارتكبا خطايا جعلتهما في سلة مهملات التاريخ, وعليه فماذا كانت أخطاؤهما الكبرى؟ والتي قد تختلف أو تتشابه إلا أنني سأركز على النموذج المصري لمعايشتي له فانا أتحدث عن وطني وهمومه .
أولا: الإخفاق الكبير في توزيع ثروات البلاد التي قالوا أنها في ازدياد, وصدعوا الشعب بأرقامها ومعدلات نموها ليلا ونهارا فلم يشعر الشعب بأنه حصل على نصيبه العادل من تلك الثروة, وبدلا من ذلك كان الشعب يشاهد رجال الأعمال الأثرياء يقيمون صلات وروابط مع الحزب الحاكم ويسرقون ثروات وخيرات البلاد.
ثانيا: اشتراك الرئيس ومعه النظام في السماح بانتشار الفساد ليتغلغل في حياة الشعب وهو ما جعل من المستحيل على أي كان في البلاد تحقيق حياة نزيهة شريفة , حيث لا يمكن إنجاز أي شيء دون أن يلوث يده بتقديم رشوة أو يبحث عن واسطة علاوة على تكديس الثروات عن طريق الاختلاس.
ثالثا: عدم وجود مشروع قومي للدولة ليوجه الشعب لتحقيقه وغياب الرؤية فغاب مفهوم الدولة وضعف الانتماء وهربت العقول المبدعة للخارج ، وأهملت طاقات الشباب ، وساد الإهمال في مرافق الدولة ودب الفشل في القطاع العام ، وخُصخصت مشاريع الدولة ليمتلكها المستثمرين ورجال الأعمال ، ولم يبق من الدولة سوي بنية تحتية متهالكة وظروف اجتماعية اقتصادية عفنة وولاء كامل للولايات المتحدة وإسرائيل.
رابعا: استمرار النظام في الكذب على الشعب بإدعاء الإصلاح والتغيير والفكر الجديد عبر إصلاحات والشعارات وهمية وشكلية وفاترة, أدت إلى تزايد شكوك الشعب وفقدان الأمل في الخروج من الانسداد السياسي الذي أقصى كل المعارضة بكل أطيافها والاحتكار المستمر للسلطة وهذا ما عبرت عنه الانتخابات الأخيرة والتي شهدت تزويرا لم يسبق له مثيل .
خامسا: تكريس الخطوات الرامية إلى استكمال مسلسل التوريث وهو ما قتل الفرصة أمام خروج البلاد من الحقبة السابقة والحالية من الفساد والتسلط والقمع والإقصاء واستمرار تردى الأحوال من سيئ إلى أسوء من تزايد الفروق بين الطبقات بل سحق الطبقة الوسطى من الشعب بالجهل والفقر والمرض والبطالة والعشوائيات…الخ.
سادسا: الاستخفاف بالشعب وتجاهله وصم الآذان عن مطالبه العادلة وحركته الفاعلة والمتنامية وتجاهل الاحتقان السائد والمكبوت داخل الصدور التي تغلي وتفور من آن إلى آخر والاستهانة بقدرة الشعب على التغيير متى شاء . ووضح هذا جليا من تعامل وزارة الداخلية والشرطة مع المظاهرات العارمة اندفعت إلى الشوارع يوم 25 يناير ، ثم سوء تعاملها واستخدامها للقوة المفرطة باستخدام الرصاص المحرم دوليا ، ورش المياة الساخنة القذرة على الشباب ثم حوادث الدهس والبلطجة والقنص للشباب الطاهر البرئ وإثارة الفوضى في ربوع مصر من أجل بقاء نظام فاسد مستبد.
سابعا:المبالغة في الكذب والخداع والاستخفاف ، فخلال الحملات الانتخابية البرلمانية في الثلاثين سنة الماضية, سمح مبارك ونظامه المتسلط بحصول أحزاب المعارضة على أعداد رمزية من المقاعد البرلمانية لتكون ديكورا لنظام ديكتاتوري فاسد , و في انتخابات 2010, زور الحزب الوطني الديمقراطي الانتخابات بطريقة جامحة وخارجة على السيطرة وترك حفنة فقط من المقاعد لحزب الوفد ، في حين لم يحصل الإخوان المسلمون على نصيب من المقاعد البرلمانية وخرجوا بلا مقعد من الحملة الانتخابية بعدما كان لهم ثمانية وثمانين مقعدا بالبرلمان السابق .
ثامنا: بث الفوضى العارمة التي وصلت لحد الجرائم الإنسانية والخيانة العظمى بسحب الشرطة من كل المرافق بالدولة وإرسال الرعاع والبلطجية, فبعد اختفاء قوات الشرطة بطريقة غامضة, انتشرت عصابات تقوم بالسلب والنهب، هاجمت المحلات التجارية والبيوت علاوة على ترويع المواطنين العاديين وتبين أن أفراد تلك العصابات يحملون هويات شرطة ورجال أمن, فمبارك كان يساوم الشعب بين الحرية أو الفوضى وقالها صراحة في خطابه الأول والثاني فأخطأ التقدير بدرجة سيئة, وتزايد لهيب الثورة من ذلك الحين.
تاسعا: عسكرة الدولة على مدى فترات حكمه فعين المحافظين من لواءات الشرطة المتقاعدين ، وأطلق يد أمن الدولة لتعيث في ربوع مصر فسادا وتتحكم في كل مؤسساتها بدءاً من تعيين العامل إلى تعيين عمداء الجامعات ،وقدم العشرات من الشرفاء إلى محاكمات عسكرية جائرة بل ونهب ثروات الشعب بالقوة وتدمير الشركات وتوجيه العديد من الضربات الاقتصادية عبر السرقة والنهب أثناء تفتيش المنازل دون إذن النيابة وغيرها من حماقات وتجاوز الأمن في ممارسة صلاحياته وضاعف عدد قوات الأمن العام المنوط بها ردع المظاهرات والاحتجاجات ليبلغ عددها مليونا ونصف في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد الجيش 350 ألف أضف إلى ذلك إدخاله المقربين منه والمحسوبين من العسكر للسلطة في أحداث الثورة رغم خطابه الذي تعهد فيه بإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية كثيرة دون أن يحددها, فعين رئيس مخابراته عمر سليمان جلاد التعذيب الدولي ورجل أمريكا وإسرائيل ليكون نائبه, وحل حكومته وعين جنرالا متقاعدا من سلاح الجو رئيسا للحكومة , لحماية مصالحه والحفاظ عليها كالعادة والمبالغة في عسكرة دولة من المفروض أنها مدنية.
عاشرا : لعب دور الحليف الاستراتيجي وشرطي المنطقة المخلص والحامي لأمن إسرائيل في المنطقة و ظهر ذلك جليا في محاربة الإسلاميين في الداخل والخارج ، فأحكم الحصار الخانق على قطاع غزة لصالح إسرائيل وغذى الخلاف بين السلطة وحماس لصالح الأولى، وشيد جدارا فولاذيا عازلا بالتنسيق مع الأمريكان لإحكام السيطرة على حماس وتركيع أهل غزة لصالح المشروع الصهيوني وغيرها من السياسات التي تعد خيانة عظمى لقضية الأمة المحورية في فلسطين علاوة على زيادة الحنق عليه بتصدير الغاز لإسرائيل بأبخس الأثمان .
جريدة مباشر الكويتية الالكترونية
13 فبراير, 2011