في ذكرى ميثاق العمل الوطني نستعيد تلك اللحظة التاريخية الفاصلة في البحرين منذ عشر سنوات، حين وقف الشعب البحريني بالاجماع مع ارادة الاصلاح والتغيير بتصويته بنعم على وثيقة الميثاق، بطريقة عكست توق البحرينيين والبحرينيات للقطع مع المرحلة السابقة، بما اتسمت به من تغييب للحريات وتهميش لدور المجتمع المدني، وقمع القوى السياسية المطالبة بالديمقراطية.
لقد اطلق ميثاق العمل الوطني وما تلاه من تغييرات، دينامية سياسية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخ البحرين، فكان لاطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين والغاء قانون ومحكمة أمن الدولة، وتعدد منابر التعبير عن الرأي، وبعد ذلك عودة الحياة النيابية الى البلاد، آثارها المهمة على طريق اضطلاع المجتمع المدني في البحرين بدورٍ أوسع من خلال الجمعيات السياسية والنقابات العمالية وسواها من مؤسسات وهيئات.
ووسط تغيرات اقليمية حاسمة شهدناها، تمكنت البحرين بفضل المشروع الاصلاحي لجلالة الملك أن تظهر كبلد استطاع أن يختار بارادة الدولة والمجتمع خيار الاصلاح في وقت مبكر، سابق لدعوات الاصلاح التي انتشرت في المنطقة خاصة بعد احتلال العراق وما ترتب على ذلك من تغييرات في المنطقة.
واليوم والبحرين تحتفل بالذكرى العاشرة لاقرار ميثاق العمل الوطني، وسط متغيرات عربية مهمة سيكون لها آثارها على المنطقة العربية المترابطة، فانه من المهم التأكيد على أن جوهر عملية الاصلاح هو في استمراريتها، وعدم ثباتها عند نقطة واحدة، وهذا ما سيشكل ايضاً الدافع الرئيس لرسوخ التحولات التي شهدتها بلادنا وبلوغها آفاقاً ومستويات جديدة.
وهذا يعني أن جهداً كبيراً يجب أن يبذل من أجل التغلب على الكوابح والمعوقات التي تعترض مسيرة الاصلاح، وتوفير مستلزمات تسريعها، بما يتناسب وطموحات الشعب البحريني، وهي طموحات رفع مستواها المشروع الاصلاحي ذاته وميثاق العمل الوطني الذي دعا الى قيام المملكة الدستورية، كما انها تنسجم مع تراث من كفاح شعب البحرين في سبيل المشاركة السياسية.
وللاصلاح عدة وجوه، ولكنها وجوه مترابطة، متداخلة، ويهمنا في هذا السياق التركيز على البعد السياسي – الحقوقي، وعلى البعد الاقتصادي – المعيشي.
فثمة حاجة لمراجعة جدية للتشريعات الموروثة من المرحلة السابقة، وحتى لبعض التشريعات التي مررها المجلس الوطني، والمتصلة بمساحة الحريات، فالتجربة تظهر انه كلما اتسع نطاق الحرية التي يحميها القانون ويضمنها، ازداد مناخ الثقة والتفاعل الايجابي مع العملية الاصلاحية، وهذه العملية بالذات تحتاج لتشريعات وتدابير من طينتها، أي اصلاحية الطابع والجوهر.
ولا يمكن الحديث عن الاصلاح السياسي دون اصلاح اقتصادي مُوجه نحو النهوض بالأوضاع المعيشية والحياتية للمواطنين، من خلال زيادة الأجور ومعالجة البطالة، والاهتمام بحل مشكلة الاسكان الآخذة في التفاقم، وكذلك من الضروري الاستمرار في الجهود المبذولة لتطوير البنية التحتية في البلاد، مع ايلاء عناية أكبر للخدمات الضرورية الموجهة للمواطنين في مجالات الصحة والتعليم والثقافة وسواها.
ان الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني مناسبة وطنية تشكل فرصة طيبة للتأكيد على المضي في عملية الاصلاح من خلال المزيد من التدابير والخطوات الضرورية، وتعزيز ثقافة الحوار الوطني وسيلة لبلوغ التفاهمات الضرورية التي تجعل من عملية الاصلاح خياراً مستقبلياً لا عودة عنه.
صحيفة الايام
14 فبراير 2011