حدث واحد، لا سواه، يستحوذ على الفضائيات العربية وغير العربية وكافة وسائل إعلامنا المقروء والمسموع، هو هذا الزلزال الجاري في مصر اليوم.
واستحواذ أحداث مصر على الإعلام يأتي فيما التطورات السياسية في عديد من الدول العربية، كلها من الوزن الثقيل، الذي كان من الممكن أن يجعل الفضائيات توجه نحوها ساعات من البث.
لنعطي بعض الأمثلة: استفتاء حاسم وتاريخي في السودان يقسم البلد الى قسمين ودولتين، تجاذب سياسي حاد في لبنان على خلفية أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، والقلق الواسع من مستقبل التطورات المتوقعة في البلد.
يمكن أن نضيف: سجال حاد في الأراضي الفلسطينية بعد تسريب وثائق مثيرة للجدل حول المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، الوضع في تونس لم يثبت على حال بعد، إثر انتصار الانتفاضة الشعبية هناك وهروب الرئيس السابق، وفي الأردن تحركات احتجاجية واستقالة الحكومة.
طبعا يمكن ان نضيف التململات السياسية والشعبية في بلدان أخرى، ولكن رغم ذلك فان الطاغي على الإعلام، وبدون منازع، هو الحدث المصري.
هناك في أم الدنيا يجري الحدث الذي على ضوء نتائجه، أياً كانت هذه النتائج، سيتحدد مسار التطورات في محيطها العربي كله، وربما أبعد من هذا المحيط.
ربما تراجع دور مصر الإقليمي إلى حدود معينة في العقود القليلة الماضية، وربما أُفتقد الدور المصري، بالفعالية المنتظرة منه إزاء ملفات عديدة، ولكن مصر تظل القوة الحاسمة التي لا يستقيم الحديث عن أي ترتيب في المنطقة، دون حسبان دورها.
وهاهي مصر منذ نحو ثلاثة أسابيع هي قلب الحدث، فالعالم كله بات مشدوداً اليها، وفي العواصم الكبرى تسهر غرف العمليات، والأيادي على قلوب راسمي السياسات هناك من أن تؤدي تطورات مصر الى هدّ الهيكل كله.
هذه هي مصر التي نعرفها، وظللنا نهجس بأنها، كما كانت عبر تاريخنا المعاصر، حبلى بتطورات حاسمة، تعيد ترتيب الأولويات، وتقلب الحسابات رأساً على عقب، وتجعل من المتعين اعادة وزن الأمور وتقييمها على ضوء الذي يجري فيها.
الحدث المصري الداخلي، خاصة إذا كان بجسامة ما يجري الآن، هو حدث عربي، لا بل واقليمي، لا بل ودولي أيضاً، فمفاعيل التطورات الجارية هناك، لا يمكن أن تنحصر في الحيز المصري الداخلي، على رحابة هذا الحيز واتساعه.
ومهما آلت اليه مسارات الحدث المصري الجاري الآن، والى أي نتائج أو وقائع على الأرض أفضى، فان مفاعيله في الفضاءات العربية كافة قد إبتدأت، فمصر تظل مصر، بثقلها البشري، وبوزنها التاريخي والسياسي والثقافي، ومحورية دورها العربي، التي تجعل من كل العرب مشدودين اليها، لأنهم يعرفون إن ما يجري في بلدانهم، مهما كانت أهميته، يصتسغر أمام ما يجري في مصر.
وهذا قول يأتي على سبيل الكلام المرسل، انما هو مبني على التجربة التاريخية الملموسة، والتي عرفها جيلنا والجيل الأسبق أيضاً، وها هو جيل اليوم الذي فتح عينيه على الدنيا، يرى مرأى العين ما الذي تعنيه مصر.
قلوبنا وعقولنا مع مصر وشعبها العظيم.