الانتفاضتان الشعبيتان التونسية المصرية فتحتا الأبواب المسدودة على مصاريعها لتشكّل عالم عربي جديد مختلف تماما عما كان عليه العالم العربي قبلهما.
فقد فتحت الانتفاضتان الأبواب في هذين البلدين ولاحقا في بقية البلاد العربية أمام استعادة الإنسان العربي ثقته بنفسه، التي كاد أن يفقدها جراء ليل الاستبداد الطويل وما فرضه من مشاعر يأس وإحباط واستسلام… مثلما فتحت الانتفاضتان الأبواب، التي كانت مغلقة في تونس ومصر، والتي لا تزال مغلقة في الدول العربية الأخرى أمام استعادة الإنسان العربي دوره المهمّش وكرامته المهدرة وحريته المصادرة وحقوقه المسلوبة، وتمكينه من أن يمارس حقّه المشروع في تقرير مصيره وأن يشارك في صنع القرار السياسي في بلاده عبر آليات ديمقراطية حقيقية… وهذا هو التأثير الأهم.
وفتحت الانتفاضتان الشعبيتان التونسية والمصرية الأبواب أمام الشعوب العربية لإقامة أنظمة حكم ديمقراطية جديدة في بلدانها أوسع تمثيلا، وبالضرورة ستكون الأنظمة الديمقراطية البديلة أقل فسادا في دول ستحكمها الدساتير والقوانين ولن تتحكم فيها المصالح الطبقية الضيقة للقوى المتنفذة.
وكذلك فقد فتحت الانتفاضتان الأبواب التي كانت موصدة لكي تمتد موجة التغيير الديمقراطي الشعبي إلى عموم دول المنطقة، وليس بالضرورة أن يتم ذلك عبر أسلوب الانتفاضات وحده، حيث بدأت موازين القوى في التبدل والرجحان لصالح الديمقراطية، وهذا هو المدخل لتحقيق إصلاحات جدّيّة مستحقة لم يعد ممكنا تأجيلها والمماطلة أكثر في الاستجابة لها، ولن تجدي نفعا المناورات السلطوية المتمثلة في الاستجابات الجزئية والشكلية واللفظية لها، مثلما حدث أخيرا في الأردن واليمن.
ولئن كان من الطبيعي أن تكون البلدان الأشد تأثرا بعواقب الانتفاضتين التونسية والمصرية هي البلدان ذات الظروف والأوضاع المشابهة للوضعين التونسي والمصري، فإنّ هناك تأثيرات مباشرة ستنعكس في الغالب على ليبيا والسودان، بحكم جوارهما الجغرافي مع تونس ومصر والتناقضات المعتملة داخلهما، خصوصا في السودان الجديد بعد انفصال الجنوب!
وبالتأكيد فقد فتحت الانتفاضتان، وتحديدا الانتفاضة الشعبية المصرية الأبواب أمام تشكّل ميزان قوى جديد على مستوى الصراع العربي – الإسرائيلي قد يفضي في الغالب إلى انتقال مصر كقوة عربية من حالة الاستسلام إلى حالة الممانعة في التعامل مع العدو الصهيوني، وهذا ما ستكون له تأثيراته ليس على مستوى إنهاء الحصار الظالم على غزة فحسب، وإنما سيمتد تأثيره إلى رفض الشروط والترتيبات والتسويات الإسرائيلية، بما يمنع المزيد من خطوات الاستسلام.
وفي الغالب سيتداعى ما كان يُسمى “محور الاعتدال العربي” المدعوم أميركيا وغربيا، الذي كان النظام المصري يشكّل ركيزته الرئيسية، وهذا ما ستكون له نتائجه على لبنان من جهة، وعلى بقية أطراف المحور من جهة أخرى.
وغير هذا وذاك، فلئن فتحت الانتفاضتان الشعبيتان التونسية والمصرية الأبواب على مصاريعها أمام ما سبق كله أو بعضه، فقد أغلقت الانتفاضتان في المقابل الأبواب في وجه عودة المشروع الأميركي الصهيوني المسمى “الشرق الأوسط الجديد” المُعد لدمج إسرائيل في المنطقة وضمان تسيّدها عليها.
باختصار، فإنّ عالمنا العربي يمر في مرحلة تحوّلات تاريخية كبرى نشهد الآن مقدماتها الأولى!
جريدة عالم اليوم 3 فبراير 2011