من كان يتنبأ أن هذه الموجة من الانتفاضات والتحركات الجماهيرية التي اجتاحت وتجتاح عدة بلدان عربية كانت ستحدث بهذه السرعة والصورة؟
صحيح أن الأوضاع البائسة في عالمنا العربي كانت تهيىء السبل لانفجارات اجتماعية، عاجلاً أو آجلاً، لكن ما كان بوسع أحد قبل أيام فقط من حرق محمد البوعزيزي لنفسه في تونس، توقع أن الأمور ستندفع في هذا الاتجاه، الذي يعكس رغبة عارمة لدى الجماهير في التغيير، حين تبلغ الأمور مستوى لم تعد فيه الناس قادرة على العيش أطول مما عاشت بالطريقة نفسها، ولا تعود حتى الحكومات قادرة على استخدام آلة القمع بالمنوال الذي اعتادته، فتُصاب بالإرباك والضياع، وتتعرض صفوف النُخب الحاكمة الى التصدع والانشقاق، وهي كلها علامات نراها بأم أعيننا اليوم.
كان المشهد العربي في نهاية العام المنصرم يشي في الظاهر بمناخٍ آخر، غير هذا الذي نراه اليوم، حيث كان جنوب السودان يتهيأ للانفصال عن شماله، في سابقة جديدة من نوعها، قد تفتح شهية فئات وممثلي هويات أخرى في العالم العربي على التفكير في إنشاء كياناتها الخاصة بها، رغم ما يبدو في الظاهر من تعقيدات محلية واقليمية ودولية تجعل من هذا السيناريو احتمالاً بعيداً، لكن في السياسة لا شيء مستحيلاً.
وكانت مصر والعراق تشهد سلسلة من الأعمال الإرهابية في صورة تحمل شحنة طائفية تهدد النسيج الوطني ووحدة المجتمع والسلم الأهلي، باستهداف المسيحيين، وهو أمر انطوى على رسالة مفزعة، وكان بالإمكان الاستطراد أكثر في سَوْق الأمثلة والوقائع المُحبطة، لكثرتها.
ولكن ما هو جدير بالتوقف أمامه هو حالة الانسحاق والفقر ومصادرة الكرامة التي يئن المواطن العربي تحت وطأتها، بفعل الاستقطاب الشديد بين الغنى والفقر الذي ركز الثروة في أيادي شريحة محدودة العدد من المتنفذين الذين هم نتاج آليات الفساد وسرقة المال العام التي وحدت بين أصحاب رؤوس الأموال وبين الماسكين بالقرار السياسي، الذين لم يعودوا يأبهون بمستقبل الأوطان، أمام حقيقة ظهور جيل جديد يتعاطى بفعالية مع وسائل التواصل الجديدة، ولكنه يواجه أفقاً مسدوداً في الحياة.
علينا بعد رؤية هذه التحولات أن نفهم الحال التي بلغناها من الخيبة واللامبالاة واليأس، حين صار المواطن العربي مسكوناً بالسؤال المحبط عما يستطيع أن يفعله وقد فقد هو نفسه الإرادة والإحساس العالي بالكرامة.
الحدث التونسي الحاسم أحدث وقائع وتداعيات فاقت قدرة أي فرد أو قوة على التنبؤ بما رأيناه، وما يمكن أن نراه في غضون الأيام والأسابيع القادمة، خاصة بعد أن عادت مصر بالذات لتصبح قلب الحدث في العالم العربي، وما أدراك ما مصر، فأي تحول فيها في أي اتجاه كفيل باحداث تحولات حاسمة في الوجهة التي سيحسم فيها اتجاه الوضع في مصر، التي يتداعى لها سائر الجسم العربي بالسهر والتأثر.
ما يجري اليوم في بعض مناطقنا العربية هو الرد الذي طال انتظاره على صناعة اليأس التي عكفت عليها ماكينة متقنة طوال عقود، فخرج الناس الى الشوارع لكي يستردوا أنفسهم، مُظهرين، وفق تعبير الروائية المصرية أهداف سويف، أفضل ما فيهم، وما جرى العمل على مصادرته خلال عقود.
1 فبراير 2011