حين عاد الدكتور محمد البرادعي لبلاده مصر أول مرة بعد أن كان قد أعلن عزمه على الترشح لرئاسة الجمهورية، عقد أحد الكتاب المصريين المعروفين مقارنة بين العدد الهائل لمناصري البرادعي على صفحات الفيسبوك وبين العدد القليل لمن استقبلوه في مطار القاهرة، ليصل الى خلاصة أن العالم الافتراضي الذي يتحاور عبره الشباب ليس هو الواقع الحقيقي بعد، وأن علينا ألا ننخدع بما نقرأه على الفيسبوك أو سواه من وسائل الاتصال الحديثة، لنبني على أساسه حسابات سياسية.
لا أريد هنا أن أخطئ ما ذهب اليه هذا الكاتب، فلعله لا يخلو من وجاهة في بعض وجوهه، لكنا علينا أن نقرأ الأمر مجدداً من زواية تأثير هذا العالم الافتراضي للشباب، في ظل ما كشف عنه التغيير في تونس وما يرافقه من تداعيات عارمة تجتاح عدة بلدان عربية دفعة واحدة، حيث بات الفيسبوك وسواه وسائل تعبئة جماعية لقوى الشباب.
ويبدو لي انه لكي نصغي برهافةٍ لهواجس وتطلعات وآمال ومشاريع الشباب من الجنسين علينا أن نولي ما يكتبونه في مدوناتهم على الشبكة العنقودية، عناية كبيرة.
من يفعل ذلك، ويزور هذه المدونات سيجد عالماً حقيقياً يضج بالحياة والتفاعل مع معضلاتها وهمومها، وسنتعرف الى مشاريعهم التي تتخطى «افتراضية» الانترنت ووهميته، لتشتبك مع الواقع في أكثر تجلياته مباشرة وتعقيداً.
أكثر من ذلك فإن هذه المدونات تكاد تكسر الصورة النمطية الراسخة في الأذهان عن كون الانترنت عالماً افتراضياً يُزيف الواقع، بالانعزال عنه وبإقامته لعالمٍ بديلٍ، على نحو ما يذهب كثير من الدراسات في علم الاتصال.
عبر مدونات الشباب ومواقعهم الحوارية يغدو الانترنت وسيلة لتشكيل رأيٍ عام حول القضايا الساخنة في المجتمع، لا مجرد شاشة لتبادل الخواطر الوجدانية التي يُنفس من خلالها الشباب عما يتعرضون له من كبت مُحيط.
يمكن سوق كثير من الأمثلة في هذا السياق، بينها مثل قريب منا، هو الدور الذي أدتــه مدونات الشباب من طلاب وطالبات الجامعة في دولة الكويت في الحملة الجماهيرية التي تمحورت منذ سنوات قليلة فقط حول تعديل النظام الانتخابي هناك، وإعادة رسم الدوائر الانتخابية تحت الشعار الذي عمّ الكويت يومها: «نبيها خمسة».
يلفت المراقبون للتطورات في البلدان العربية إلى محتوى مُدونات الشباب في بلدان أخرى مثل سوريا ومصر والبحرين والسودان والأراضي الفلسطينية المحتلة وغيرها، للبرهنة على درجة تفاعل الجيل الجديد مع ما يدور حوله.
تلك نماذج تُظهر الأشكال الجديدة للتعبير للشبان والشابات، وتُرينا أن الحياة تدب في مسارات أخرى غير مألوفة وغير مطروقة بالنسبة لأبناء الأجيال الأكبر.
ولأن التعميم عادة منبوذة، فعلينا الإشارة إلى أن التحولات السلبية في المجتمعات العربية تلقي بظلالها الثقيلة أيضاً على ما يُنشر في بعض المدونات وفي المنتديات الالكترونية، حيث نجد بعضها يتحول إلى وسيلة لترويج النزعات الطائفية أو التكفيرية والظلامية، ولكن هذا لا يجب أن يحجب أبصارنا عن رؤية العالم الآخر الذي يضج بالحياة في مدونات شبابية أخرى، جديرة بالمعاينة والدراسة.
صحيفة الايام
31 يناير 2011