في الظاهر تبدو الخطابات التي سادت القمة الاقتصادية العربية أشبه بالصحوة الرسمية تجاه معضلات الوضع المعيشي في البلدان العربية، حين توارت أو اختفت مفردات وعناوين متداولة لصالح ابراز الحديث عما تواجهه شعوبنا العربية، وخاصة الشباب، من أوجه معاناة على الصعيد المعيشي بصفة خاصة، وعلى صعيد التنمية في مفهومها الشامل المتكامل بوجهٍ عام.
لكن ما يجب التحقق منه هو: هل ما يبدو في الظاهر يعكس تحولاً جدياً؟؟
ذوو الذاكرة الجيدة لا يمكن أن ينسوا الموجة التي اجتاحت عالمنا العربي عشية وغداة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 عن ما عُرف في حينه بـ»وصفة الإصلاح»، بل لعل الأمر لا يحتاج الى ذاكرة جيدة، فالحديث يدور عن أمرٍ لم تمض عليه سوى سنوات معدودات.
يومها أصبح الاصلاح هو كلمة السر الجديدة التي تلهج بها الألسن، حيث بات الجميع في العالم العربي معنياً به، بما في ذلك الحكومات التي تلكأت طويلاً أمام رغبات شعوبها أن تُُصلح أحوالها، فاذا بها هي نفسها تصبح داعية للاصلاح وناشطة في عقد الندوات والمؤتمرات حوله.
وفي حالٍ كهذه يختلط الحابل بالنابل، فلا يكاد المرء غير المتابع أن يميز بين من ناضلوا في سبيل الاصلاح وضحوا من أجله بدفع ضريبة ذلك بسنوات أعمارهم التي أهدرت في السجون أو في المنافي، وبين بعض الحكومات التي كان أي أمر من الأمور التي تندرج في إطار الاصلاح رجساً من عمل الشيطان في نظرها، غير مترددة في إخراس كل من تُسول له نفسه مجرد الهمس به.
كان واضحاً يومها ان دعاة الاصلاح الجُدد في عالمنا العربي، الذين هم سبب الفساد والقمع وعلتهما، تصرفوا مع موجة الاصلاح تلك على طريقة إحناء الرأس للعاصفة حتى تمر، بدل الوقوف ازاءها فتطيح بهم أنواؤوها القوية، وهم في ذلك كانوا يحتكمون الى غريزة السلطة، وهي غريزة أُمتحنت في المحن، التي دلتهم أن هذه الموجة شأنها شأن كل عاصفة لا يمكن أن تدوم طويلاً، فسرعان ما ستنجلي الغمة، وتعود الأمور الى نصابها المألوف وكأننا «يا بدر لا رحنا ولا جينا».
اليوم، بعد التغيير الذي شهدته تونس نحن ازاء موجة مشابهة، فالخطابات التي سادت في شرم الشيخ، تشير إلى أن الجميع بات متيقناً مما كان عليهم أن يتيتقنوا منه منذ زمن طويل بأن البطالة والغلاء والتأهيل المهني وسواها من تحديات معيشية تقصم ظهر الغالبية الساحقة من الشباب العرب المحبطين والشاعرين بانسداد الآفاق أمام أعينهم.
إبان موجة الدعوة للاصلاح التي سرعان ما هدأت دون أن نشهد إصلاحاً جدياً طالب الكثيرون أن تجري المبادرة للاصلاح من داخل بلداننا، قبل أن تفرض وصفة الاصلاح الأمريكية المحمولة على الدبابات على هذه البلدان.
وإذا كان هناك من يتعظ فليجعل من التغيير التونسي حافزاً للمعالجة الجدية لبواعث الانفجار التي يمكن أن تجعل من نموذج تونس نموذجاً مُعمما، فيما بالوسع تفادي التضحيات واراقة الدماء بخطوات جريئة حان أوانها.
صحيفة الايام
26 يناير 2010