الانتفاضة الجماهيرية في تونس الخضراء أسقطت نظام زين العابدين بن علي وأعوانه الذين حكموا تونس أكثر من عشرين سنة بسياسات القهر والاستبداد، وان فرار بن علي نتيجة لم تكن مفاجئة لان انتفاضة الجياع في أية بقعة في العالم حتمًا ستجبر الطغاة على الهروب من دون رجعة.
انتفاضة الشعب التونسي الذي ناضل من اجل حقوقه بشراسة لا تحتاج إلى تنظير، بل كل ما في الأمر هو ان هذا الشعب كان يعيش غربة في وطنه بحكم غياب العدالة والمساواة وعدم الالتزام بتحسين أوضاعه المعيشية وبالاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها ان تعالج أزماته الداخلية المتفاقمة وفي مقدمتها الخبز والغلاء والبطالة، ولا شك ان ضيق حدود الديمقراطية وحقوق الإنسان دفعت بهذه الانتفاضة ان تشتعل وتتوهج في هذا البلد الذي يمتلك إرثًا نضاليًا طويلاً ضد الاستعمار دعوة الى التغيير والتقدم نحو آفاق واسعة للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان أهم اشكالية في الدول العربية التي وصفها تقرير حقوق الإنسان الأخير بأن هذه الحقوق في هذه الدول خلال عام 2009 – 2010 اسوأ كثيراً من أعوام أخرى سبقته؛ لان النظم العربية تسبغ بأنفسها رضا على نفسها، وأسوأ أنواع الانتهاكات هي التي تستعصي على الإدراك فتحجب سبل الإصلاح.
دروس وعبر انتفاضة تونس ينبغي من بعض الدول العربية ان تضعها في عين الاعتبار، وان تضع في حسابها ان الحقوق من عمل وصحة وسكن وتعليم .. الخ لا تنفع معها المسكنات وإن نفعت أو صلحت لبعض الوقت فإنها لا تنفع لكل الوقت، وتونس اليوم تقدم دليلاً آخر للتغيير في هذا القرن يضاف الى الكثير من الأدلة والبراهين التي يشهدها تاريخ ثورات الشعوب.
وهكذا، فان انتفاضة الياسمين التونسية جاءت تعبيراً عن التناقض والصراع الاجتماعي والطبقي المتحرك والمحرك للمجتمع والصانع لحركة التاريخ والمتطلع الى تحقيق قيم العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية.
ان بلادنا العربية رغم تفاوت مستويات التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي فيما بينها فان أزماتها الداخلية لا تزال أكثر ارتباطًا بالتنمية الشاملة في أبعادها المختلفة المعبرة عن احتياجات الإنسان الأساسية، وإذا كنا أكثر حرصًا على التغيير فلابد من توفير الخبز والحرية، وتونس التي تجمعت وتوحدت إرادة شعبها هكذا حرصت.. وهكذا انتفاضتها على القهر والظلم والتسلط تدخل التاريخ من اوسع ابوابه.
بعض الدول العربية المزدحمة والمكتظة بالأزمات الداخلية في ظل المناخ الملبد بغيوم الاستبداد وبالإجراءات القمعية ومصادرة الحريات عليها ان تدرك ان احتياجات الشعوب ومتطلبات العيش الكريم لا يمكن ان تتحقق في ظل الكثير من الوعود والقليل من المصداقية، وانما بتوفير حقوق المواطنة المتساوية وبالمشاركة الشعبية الديمقراطية ومكافحة الفساد الذي يضاعف من تلك الأزمات.
كثيراً ما كتب عن هذه الأزمات، ولكن كيف ندير هذه الأزمات، هذا السؤال المهم الذي ستظل الإجابة عليه حلقة مفقودة طالما لا نحسن إدارة قضايانا الداخلية.
وحول هذا السؤال كتب محمد خلفان الصوافي الكاتب الصحفي في جريدة الخليج الامارتية تحت عنوان «أزمة» ادارة الازمات يقول فيه احد العيوب الرئيسية في تعامل البلدان العربية مع الاضطرابات والازمات الداخلية المفاجئة هو تسكينها او ترحليها أو كما يطلق عليه «امتصاص الضربات» وعدم التعامل معها بجدية، حيث لا توجد فلسفة تحكم طريقة إدارة الأزمة وإنهائها سوى تخديرها أو تأجيل حلها. صارت بعض البلدان تعيش المشكلات يومًا بيوم فالمهم إنهاء اليوم بدون مشكلة او الانتظار لرؤية ماذا سيحدث غداً. وقد اثبتت أكثر من تجربة ان البلدان العربية رغم اهتمامها بعلم ادارة الازمات لا تحتمل حتى مواجهة المشكلات الداخلية المحدودة التي يقوم فيها بعض افراد المجتمع بالتعبير عن غضب معين وغالبا ما تكون النتيجة عودة المشكلة مرة ثانية وربما اكثر قوة مما حدث في المرة الاولى، بل ان طريقة ادارة الاضطرابات احيانًا ما تكون سببًا في افتعال ازمات اخرى.
وتحفل بعض الدول العربية بحالات صريحة من العجز عن ايجاد حلول جذرية لمشكلاتها الداخلية. وقد أثر هذا العجز على صورتها من حيث قدرتها على حسم الاضطرابات أو تقديم «كبش فداء» على شاكلة اقالة وزير أو مسؤول لانه لم يستطع السيطرة على الوضع او انه لم يقنع وسائل الاعلام بعدم التغطية أو تبرير ما حدث وكأن المشكلة في الوزير أو المسؤول رغم ان هذه المشكلات لها تاريخ طويل، وان اسباب الاضطرابات تحتاج الى حلول واقعية ومن نوعية اخرى وتبقى السلطة ناجحة في نظر الناس ما دامت قادرة على الاحتفاظ بالهدوء، ومجرد التعبير بأي طريقة تكون نتيجته اما القوة او الاقالة.
وهذا بالفعل ما حدث لتونس وكذلك الجزائر التي شهدت هي الأخرى صدامات بين قوات الدرك والجماهير.
متى نتعلم من دروس تونس؟ هذا هو السؤال الملح.
الأيام 22 يناير 2011