منذ سقوط نظام بن علي والجدل يتمحور حول إمكانية انتقال عدوى الثورة ورياح الغضب لباقي العواصم الشقيقة.. فالأنظمة العربية بدأت منذ اليوم الأول ، عبر أزلامها وإعلامها وأذنابها ، في الترويج لأن ما حدث في تونس ” حالة معزولة” وظاهرةٌ ” استثنائية في سماء المنطقة” وتمادى الخبثاء في وصف النظام التونسي بأنه ” فريدٌ في قمعه وفساده وعنجهيته” بغية الدفاع عن أنظمتهم ولسان حالهم يردد ” لسنا مثل تونس” وكأنها يدرؤون تهمة توجسهم..!
والحقيقة إنهم – فعلا- ليسوا مثل تونس بل أسوأ منها، فمتوسط دخل الفرد في تونس 8300 دولار وهي تتقدم بذلك على 13 دولة عربية في مستوى الدخل الفردي، كما أن تونس حققت من منجزات على مستوى التعليم والتأمين الصحي، البطالة والأمية والتنمية وتحسين مستوى المعيشة، ما لم تحققه جُل الدول العربية التي تشهد تراجعا مستمرا في حقول خدماتها الـأساسية وتوسعاً في طبقة المهمشين والمحرومين بوجود 89 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر .. ولكن القمع والطبقية والفساد واستغلال مقدرات الشعب والتمييز لصالح أسر معينة والاستخفاف بكرامة المواطن هو ما أفاض الكأس وعجل نهاية النظام الذي لم يكن – ومسئولهٌ أنا عما أقول- الأسوأ في الوطن العربي “ولا حتى ضمن أسوء 5 نظم” وإن كان ثاني الراحلين بعد نظام صدام ونبتهل لله أن لا يكون آخرهم !!
دروسٌ مهمة تكتنز بها الثورة نتمنى أن تستوعبها الأنظمة العربية بالطيب، قبل أن تُلقاها بالقوة..:
أولها : أن دول الغرب برغماتية في علاقتها، ” أنت ولدنا وحبيبنا ” ما دمت ذا نفع، وما أن تنتهي صلاحيتك فمكانك مزبلة التاريخ لا قصورنا ومنتجعاتنا. والدول الرأسمالية في ذلك أشبه ما تكون بالمرأة اللعوب، تُفيض عليك بالحنان دامك تُفيض عليها بالمصلحة، فإن انقطعت المصلحة تبددت العاطفة في ثوانً.. والأنظمة العربية ليست بأفضل حال بالمناسبة، قد تحتضنك من قبيل الشيمة وقد تمط الشفاه عليك حسرة أو تنصفك ” بكلمتين” كما فعل القذافي العقيد الثائر الذي يكره الثوار، ولكنك لن تحصل على أكثر من ذلك.. فالمتدثر بالدول العظمى عارً والمستقوي بالتحالفات الخارجية واهم، ولم يحدث عبر التاريخ ما يثبت العكس .. !
ثانيهما : طوال عقدين من الزمن ، باع النظام التونسي الوهم للعالم، صرف ملايين الملايين لتلميع صورته ودرء التهم عنه وأشترى – حرفياً- سمعته الطيبة في في المحافل الدولية ولكن.. ما أن حصحص الحق.. حتى اكتشفوا أن كل هذا غير مهم ولم يطل عمر النظام يوماً واحداً عندما أستعر غضب الشعب. وهو درس الدروس للأنظمة العربية :
كفاكم لهاثاً وراء اعتراف العالم فرأي شعوبكم هو المهم.. رضا شعوبكم هو الباقي.. ولا شيء غيره ولا سواه..
ثالثاً : التونسيون انتفضوا لكرامة التونسيين ، لم يكن كل من في الشوارع عاطلين كما أرادت بعض وسائل الإعلام أن تقول مطلع الأزمة، كثير منهم أرباب مهن محترمة ولكن صفعة العزيزي فجرت الكرامة في كل تونسي رأى الظلم في نفسه، وهي رسالة للشعوب هذه المرة: أن عليها أن تتكاتف وتتصرف ككتلة واحدة. فالظلم الذي يحرق بيت جارك سيطال دارك، ووحدها الشعوب التي تدرك ذلك تكون ذات ثقل وهيبة ..
رابعاً : نفوذ أسر معينة – دون وجه حق- يستفز الشعب، البذخ الأسطوري الذي يعيش فيه مسئولي الدولة يستفز الشعب، تزايد ثروات الأمناء على الأموال العامة يستفز الشعب.. والشعب ليس بأعمى وإن تعامى، وتلحظون اليوم كيف أن تبرم التونسيين ولعنهم لعائلتي الطرابلسي والماطيري يفوق تبرهم على حاكمهم نفسه .. !
خامساً: كشفت الأحداث الأخيرة كم هو أعلامنا العربي منافقٌ بشكل مبتذل ! قبل يوم من سقوط نظام بن علي كانت النبرة حول الأحداث خجولةٌ وكانت المقالات والافتتاحيات تدعو لضبط النفس وتجاوز الأزمة وكانت القنوات تحجب حق كل معارض تونسي في الظهور.. بعد ساعة من سقوط النظام صار الإعلام يجوس في خصوصيات العائلة الحاكمة وفتح منابره للمعارضين مستبيحاً ما كان من الكبائر قبل ساعة !! ما يدل على أن إعلامنا حرباء تتلون وفقاً للمصالح لا القناعات.. وهم على دين الغالب وضد المغلوب، أياً كان الظالم منهم أو المظلوم !!
سادساً: في خطابه الأخير ، بعد أن خرج مع بدء الثورة يتوعد ويهدد ” الإرهابيين” ويتهم جهات خارجية بدعمهم متنكراً – ومُنكراً- لأخطائه وآثام نظامه.. طلع بن علي على الناس بعد أن ارتفع الماء وأوشك فرعون على الغرق ليعلن التوبة ويذرف الدموع ويقول ” لقد ضللوني ” ” سأحاسب من خدعوني.. أنا فهمتكم وفهمت المجتمع” بعد أن كان الأوان قد فات.. !
كثيرون وصفوا دموعه بدموع التماسيح ولكني لا أشاطرهم الرأي.. فالحاشية – بالفعل- تضلل الحكام وترمى غشاوة على أعينهم لذا قيل ” أن الحاشية إن صلُحت صلح الحاكم وإن فسدت فسّد وضاعت الرعية” ليس عذرا بالطبع له ولغيره ولكنه درسٌ ثمين للقيادات التي تعول على حاشيتها وتقرأ وترى بعيونهم.. افتحوا أعينكم على اتساعها ولا تستعملوا الأفاكين والـ” جمبازية” ولا تثقوا بالمتسلقين والمرتزقة فهؤلاء لن ينقذوكم.. ولا تقمعوا المعارضين والإعلام الحر بدعوى أنهم يعملون على النيل منكم ومن منجزاتكم لأنهم من يساعدكم على فهم تطلعات الناس وإصلاح ما هو مخّتل ومعّوج.. لئلا تبكوا بعد فوات الأوان وتقولوا ” ضللونا”.. !
سابعاً : العصر اليوم هو عصر الشعوب، على الحكومات العربية ان تفهم ذلك ، الشعب هو سيد قراره وهو من يُعمل حكوماته على إدارته وهو من يعزلهم، يجب إعادة بناء التحالف المدني، وعلى الأنظمة أن تصالح شعبها وتكف عن استعباده واستفزازه.. الشعب ينتقل من حالة عدم الرضا للتململ .. ومن التململ للسخط.. ومن السخط للثورة. قد يستغرق ذلك عقود، سنين أو مجرد أسابيع، واقرؤوا التراث الإنساني لتروا كيف يعيد التاريخ نفسه مرة بعد مرة ..
ختاماً : أما الرسالة الأهم للأنظمة العربية هي: إياكم والظلم .. إياكم والظلم
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً..
فالظلم يفضي أخراه إلى الندم..
تنام عيناك والمظلوم منتبه..
يدعو عليك.. وعين الله لا تنم..
الشعب لا يريد أن ينازعكم الكرسي ولا الحكم ولا يريد طائراتكم ولا قصوركم ولا رقابكم.. يريد عملاً وسكناً وعيشة كريمة وتطبيب لائق وبعضاً من الاحترام ..
وتذكروا أن الله ينصر دولة العدل وإن كانت كافرة.. على دولة الإسلام إن كانت ظالمة
وتذكروا أن الله ينصر دولة العدل وإن كانت كافرة.. على دولة الإسلام إن كانت ظالمة
والله من وراء القصد
عن موقع لميس 19 يناير 2011