عاد الجدل حول مخصصات دعم السلع الذي تفرده الحكومة في الموازنة العامة بهدف توفير السلع الأساسية للمواطنين والمقيمين بأسعار مخفضة في البحرين، وذلك على خلفية تجدد الحديث الحكومي عن إمكانية إعادة النظر في الدعم على قاعدة إعادة توزيعه لصالح مستحقيه من ذوي الدخول المنخفضة.
سارع مختلف مراكز القوى المجتمعية للإدلاء بدلوه في هذا الموضوع، كل من موقعه والمصالح التي يمثلها من دون كثير اعتبار هنا لوظيفة الاختصاص موجبة الحضور هنا بأهمية بالغة.
دعونا في البداية نطرح المسألة – مسألة أو موضوع الدعم على النحو التالي الذي ربما ساعدنا على ملامسة جوهرها، وذلك من خلال التساؤل التالي: هل الدعم هو قدر واضعي ومصممي السياسات المالية؟ وما هي المقاربة الدولية الجديدة لآلية الدعم، بمعنى هل هو حلال أم حرام بالمفهوم الشعبي الدارج؟ أو هل هو مسموح به أو غير مسموح به؟
التساؤلان نطرحهما من وجهة نظر الاقتصاد السياسي ومن وجهة نظر قواعد النظام التجاري الدولي الجديد الذي تمثله منظمة التجارة العالمية، وأخيراً من وجهة السياسات المالية السيادية .
يعتبر الدعم إحدى أدوات السياسة المالية للدولة، شأنه شأن تسعير السلع والخدمات والرسوم والضرائب، وهو يقع بالتالي ضمن اختصاصات الجهة الحكومية المختصة بتصميم واقتراح وتنفيذ السياسة المالية للدولة بما يخدم هدف حفز النمو الاقتصادي، وهي هنا وزارة المالية .
واعتمدت الدولة أداة الدعم منذ الاستقلال الوطني في 1971 كإحدى آليات تحقيق التوازن الاجتماعي من حيث انه يشكل أحد روافد شبكة الأمان الاجتماعي خصوصاً لمحدودي الدخل من المواطنين. وقد شمل الدعم السلع الأساسية مثل الأرز والسكر والطحين واللحوم (الحمراء والبيضاء) والمحروقات، لاسيما البنزين والديزل وكذلك الغاز، وإنها توفر منذ عام 1983 دعماً مستمراً ومنتظماً للمحروقات يشمل تحديداً الغازولين بنوعيه الممتاز والجيد، والكيروسين، والديزل، ووقود الطائرات، والأسفلت، إضافة إلى غاز البترول المسال والموزع على المواطنين لأغراض الطبخ، وكذلك إمدادات الغاز للشركات والمؤسسات الصناعية الحكومية والخاصة .
وبفضل هذا الدعم فإن (البنزين) من نوع ممتاز يباع على المستهلكين ب 100 فلس للتر الواحد رغم أن تكلفة إنتاجه تبلغ 161 فلساً، ويباع الجازولين من نوع جيد ب 80 فلساً رغم أن تكلفته تبلغ 180 فلساً، علماً بأن متوسط السعر العالمي لكل من الممتاز والجيد هو 188 فلساً و185 فلساً على التوالي .
فيما يتعلق بالديزل فإن سعر الليتر الواحد المباع في السوق المحلية كان يبلغ 70 فلساً مقابل 260 فلساً كمتوسط سعر عالمي. وهو السعر الأخفض للديزل في دول مجلس التعاون وظل هذا الدعم الحكومي للديزل مستمراً منذ عام 1983 أي بقاء سعر التجزئة والجملة في السوق المحلي دونما تغيير .
ولذا وأمام ازدياد عمليات تهريب الديزل من البحرين لبيعه في دول مجلس التعاون الأخرى والاستفادة من فارق الأسعار (يقدر حجم كميات الديزل المهرب يومياً في الوقت الحالي بحوالي 700 برميل يومياً، وهو ما يمثل 15% من مجموع الاستهلاك المحلي) أمام ذلك قامت الحكومة بتعديل السعر إلى 100 فلس للتر للاستهلاك الشخصي و120 فلساً للأغراض التجارية، وتم أخذ مصلحة الصيادين بعين الاعتبار من خلال ترتيبات خاصة شملت التعويض والبيع بسعر تفضيلي.
ونتيجة للتوسع الاقتصادي الضخم الذي شهده الاقتصاد البحريني على العقود الثلاثة الأخيرة، والزيادة السكانية السنوية التي انعكست زيادة سنوية لمخصصات دعم المحروقات، فقد غدا الدعم بفاتورته المتعاظمة عبئاً كبيراً على الموازنة العامة، حيث ارتفعت كلفة دعم المحروقات (من دون الغاز) حوالي 500 مليون دولار سنوياً .
من الوجهة القانونية الدولية المتمثلة هنا في الالتزامات المترتبة على عضوية مملكة البحرين في منظمة التجارة العالمية، فإن الدعم الحكومي السلعي لا تغطيه اتفاقية الدعم والإجراءات التعويضية المضادة وذلك لكونه شأناً اقتصادياً داخلياً ليس له علاقة تأثير مباشرة على التجارة . وهو يقع ضمن نطاق السياسات والممارسات الاقتصادية السيادية للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية .
ولكن الأمر يختلف بالنسبة للدعم المقدم لإمدادات الغاز للشركات، حيث انه يعتبر موضوعاً إشكالياً خاضعاً للجدل والتنازع التفاوضي ضمن هياكل منظمة التجارة العالمية، شأنه شأن الدعم الذي تقدمه حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمزارعيها، من حيث أن المنتجات الناتجة عن استخدام الغاز كلقيم فيها (ذات الوجهة التصديرية)، والمنتجات الزراعية المصدرة للأسواق الخارجية، لها تأثير مباشر في شروط التجارة وهنا تثار قضية ما يُسمى بالتسعير المزدوج للمنتجات من جانب بعض الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية باعتبارها شكلاً من أشكال الدعم ذي الأثر المباشر على التجارة . وهو يعني تسعير السلع ذات الاستخدام الكثيف لمصادر الطاقة (الغاز مثلاً في صناعة البتروكيماويات) في السوق المحلي بأقل من تسعيرها في أسواق التصدير .
والحال، أن قواعد منظمة التجارة العالمية لا تغطي “ظاهرة” التسعير المزدوج للمنتجات، وهي بالتالي لا تعتبر دعماً قابلاً للمقاضاة (مقاضاة الطرف الممارس له لدى جهاز فض المنازعات في منظمة التجارة العالمية)، أي إنما هذا الأمر لا ينطبق على الدول الجديدة الراغبة في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (روسيا على سبيل المثال) .
وبالنسبة لنا في مجلس التعاون فإن لدينا موقفاً ثابتاً وواضحاً مُجمعاً عليه من قبل كافة الدول الأعضاء، وهو عدم المساومة على هذا الموضوع، من حيث أن دول التعاون تمارس سيادتها الاقتصادية في تقرير سياساتها الاقتصادية الوطنية من دون الإضرار بشروط التجارة، فضلاً عن عدم تمييزها في تمكين مختلف الصناعات من الوصول إلى مصادر الطاقة المتاحة لهذه الصناعات .
وبالنسبة للقطاع النفطي في البحرين، فإن دعم المحروقات يُنقص بلا أدنى شك من فاعلية ومن هوامش ربحية صناعة التكرير التي تعتبر رافداً أساسياً للصناعة النفطية الأم. . صناعة الاستخراج. وكان من الممكن أن تكون مساهمة هذه الصناعة النفطية التحويلية بالغة الأهمية، في دعم موازنة الدولة وحقن دورة النمو، أكبر وأكثر فاعلية فيما لو أُلغي الدعم عن المحروقات.
وبما أن عمل مصفاة البحرين يعتمد اعتماداً شبه كامل على واردات النفط الخام السعودي بواقع ربع مليون برميل يومياً تقريباً، فإن ارتفاع أسعار النفط العالمية لاشك يلقي بظلاله السلبية على هامش ربحية المصفاة، الأمر الذي يقلل استفادة المصفاة من ارتفاع أسعار المنتجات البترولية التي تنتجها وتصدرها المصفاة بالتوازي مع ارتفاع النفط عموماً في الأسواق العالمية .