المنشور

ثورة الياسمين… لكي لا يخبو الحلم!


لقد كان التونسيون بالفعل أوفياء لشاعرهم العظيم أبي القاسم الشابي وقد غدو يرددون أفرادا وجماعات:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد ان ينكسر
الانتفاضة الشعبية التونسية التي رفعت شعارات تطالب بالخبز والكرامة وبالديمقراطية وبالحريات وبوقف كافة مظاهر الفساد والاستبداد، استطاعت بعفوية اجمع عليها الجميع تقريبا، وفي غضون اقل من شهر ان تقتلع نظاما عرف بمركزيته الشديدة وباستبداده وفساده ومحسوبيته، حيث كان علامة فارقة ميزته عن بقية الأنظمة المشابهة اليه في نواحٍ كثيرة!.

بعد هذا السقوط المدوي لنظام حسبنا ان عمره سيطول ويطول معتمدا على كل ما توافر له من مقومات اعتقد قادته واهمين أنها مقومات قوة ليفاجئوا بها مقومات هدم وانهيار سريع لنظامهم على عكس ما أرادوا وتمنوا، فما أحوجنا ان نقرأ جميعا أحداث تلك الانتفاضة الجماهيرية التي عجلت برحيل نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بعد عقود من الاستبداد والقبضة الحديدية التي حكمت بها بلاد كتونس وهي التي تتمتع بثروات مادية وبشرية كبيرة، علاوة على ما ميز مجتمعها المدني من حيوية جماهيرية، لكنه بالرغم من كل ذلك ظل مقيدا ومحاصرا رغم ما ترافق مع كل ذلك من تغييب إعلامي ومصادرة للحقائق بمثل ما غيبت الحريات والحقوق، في الوقت الذي تم فيه تسويق تونس طيلة أكثر من عشرين عاما على انها واحة الرخاء والديمقراطية. وجاءت صفعة احد رجال الدرك التونسي لشاب جامعي اصر على ان لا يستسلم لوضعه كعاطل عن العمل محاولا ان يمتهن مهنة بائع جوال للفواكه والخضروات، مهنة يوفر من خلالها قوت يومه ويحفظ بها كرامته، جاءت تلك الصفعة لتوقظ ضمير امة بأكملها، فبعد أن احرق محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على تلك الإهانة ليتحول الى رمز لانتفاضة الياسمين التي سرعان ما انتقلت كالنار في الهشيم لتعم كافة مدن وقرى واحياء تونس، خرجت فيها شغيلة تونس وعمالها معبرة عن مطالبها المشروعة في العيش بكرامة تحت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، في دليل آخر على ما تكتنزه الطبقة العاملة من قدرات لا يمكن تجاهلها، لتوقد فتيل مسيرة خضراء باتجاه تحقيق ملايين التونسيين لحلمهم المكبوت في زنازن النظام ومنافيه القسرية نحو قيام دولة الحريات والديمقراطية المنتظرة، ولتوقظ بدورها شعورا عارما لدى الكثير من الشعوب المقهورة.

وعلى الرغم من كل ما قيل ويقال من تحليلات حول الأوضاع التي سبقت سقوط النظام هناك، يبقى من الصعب الحكم على ما سيتوافر من بدائل، خاصة إذا علمنا اننا نتحدث عن فترات طويلة من الكبت السياسي وتغييب الحريات والممارسة الديمقراطية، حيث بات الوضع الجديد يحتمل الكثير من السيناريوهات المنتظرة، وذلك بالنظر الى ما تمثله تونس ومحيطها الجيوسياسي من اهمية للكثير من دول القرار العالمي، وبالنظر الى موازين القوى الداخلية والخارجية وحتى حاجة بعض دول الجوار التونسي الذين ارعبت بعضهم تداعيات الأحداث الى الاطمئنان على اوضاع نظمهم القائمة ولو الى حين، نذكر فقط بان ما رفع من شعارات خلال مسيرة انتفاضة ثورة الياسمين لم يكن مقتصرا على تونس لوحدها فها هو احد الشعارات الرئيسة التي رفعت في التظاهرات يقول مخاطبا الرأي العام العالمي قائلا «هل رأيتم حاكما يعامل شعبه وكأنهم مجموعة من الأغبياء؟» فيما يقول شعار آخر «خبز وماء وبن علي لا» و«اخرج من دون رجعة.. لقد انتهت اللعبة»، فيما ترفض حكومات اوروبية صديقة للنظام المخلوع استقبال صديق الأمس اللدود حفاظا على مصالحها الحيوية في ذلك البلد وخوفا من المنظمات الحقوقية التي رفعت منذ زمن العشرات من القضايا في محاكم بلادها ضد ازلام النظام المقبور وممارساته، فيما تنبري الولايات المتحدة باسم رئيسها للترحيب بالتحولات والقبول بخيارات الشعب التونسي.. كل هذا جرى ويجري في فترة زمنية قياسية لم تكن بأي حال ضمن حسابات العديد من المتابعين.

وبالمثل حملت لنا صور المسيرات والتظاهرات العديد من المضامين والقراءات المتسقة والمتعارضة ايضا للمشهد القادم في تونس لعل اخطرها هو المجهول، حيث تشي تداعيات الأحداث بأن لا زال هناك من لم يقولوا كلمتهم بعد وسيحاولون دون ادنى شك الالتفاف على ما استجد من معطيات وقد اربكتهم الأحداث وتسارعها، لكنهم حتما سيبقون متربصين بحركة الشارع وتحولات المزاج العام انتظارا للانقضاض على ما لدى التونسيين من حلم وأمل فهل سيسمح الشارع هذه المرة بأن يخذل ثانية وقد جرب ذلك من قبل أم هل لنا ان نعول على وعي جماهيري وسياسي وحزبي يستطيع ان ينتقل بتونس الخضراء الى حيث التحول الحقيقي نحو الديمقراطية وبناء النموذج الذي لا زال غائبا عن محيطنا العربي والإسلامي… ذلك هو التحدي وتلك هي المهمة وما أصعبها!!