أثار تقرير ديوان الرقابة المالية جدلاً واسعاً في الأوساط البحرينية ومن تابع هذا التقرير أو التقارير التي سبقته منذ ست سنوات يقدر الجهد الذي يبذله ديوان الرقابة في الكشف عن التجاوزات المالية ويقدر أيضا التزامه بمبدأ الشفافية من اجل الحفاظ على المال العام. اما هل بالفعل لامست كل هذه التقارير دوائر الفساد فهو أمر يطول الحديث عنه.
هناك سؤال لابد ان نطرحه وهو ماذا بعد التقرير؟ وبعبارة أكثر وضوحاً كل سنة يصدر فيها ديوان الرقاية تقريره نسأل أنفسنا ما الذي ستفعله السلطة التشريعية حيال ما تم ضبطه من فساد في أكثر من وزارة وجهة حكومية؟ فنتائج التقرير يا نواب الشعب واضحة وضوح الشمس وبالتالي لماذا لا تشكل الكتل النيابية التي كانت حملاتها الانتخابية تهدد بمكافحة الفساد وتتوعد المفسدين لجان تحقيق ومساءلة بغية محاسبة المتورطين!
فعلى مدى الثلاثة الفصول التشريعية الماضية لم يشهد البرلمان محاسبة للفساد وانما شهد توصيات لا غير، يقول احد الراصدين «مجلس النواب لم يتعاطَ مع التقارير من منطلق وطني وفق مسؤولياته وصلاحياته، ففي الفصل التشريعي الاول المجلس لم ينهِ الا تقرير 2003 وبدأ في وضع توصياته لتقرير 2004 وفي الفصل التشريعي الثاني بدؤوا في توصيات 2004 وناقشوا تقارير 2004 و2005 في ثلاث سنوات، وفي السنة الأخيرة ناقشوا تقارير 2006 و 2007 في جلسة واحدة خرجوا دون نتيجة ولذلك المجلس اليوم لديه فرصة ذهبية يشكل فيها لجان تحقيق لكل الوزارات والجهات الحكومية المتجاوزة والمخالفة.
نعم.. لماذا لا تتشكل تلك اللجان ونوابنا الأفاضل أدرى من غيرهم بحجم الفساد الذي تضمنه التقرير الذي كشف عن تلاعب وهدر للمال العام!
لا نريد الدخول في تفاصيل التقرير فيكفي لنا ان نقف عند بعض مفاصله من بينها ان شركة البحرين للاستثمار العقاري «ادامة» لم تقم بتوريد الايرادات المحصلة للعقارات المملوكة والمؤجرة من قبل وزارة المالية عن السنوات الثلاث من 2007 الى 2009 والتي بلغ مجموعها 521 الف دينار الى الحساب العمومي لوزارة المالية ومن ملاحظات التقرير ايضا ان الوزارة المذكورة خولت الشركة بالاحتفاظ بايرادات الايجارات بالكامل كمقابل لأتعابها في حين ينص القانون على انه لا يجوز تغطية مصروف معين من المصروفات العامة إلا بقانون ويعني ذلك ان «ادامة» لم تحول ايرادات تصل الى 521 الف دينار الى الميزانية.
واذا كان التقرير سجل ملاحظاته على هيئة الاذاعة والتلفزيون لكون هذه الجهة لم تلتزم لا بشروط مجلس المناقصات والمشتريات الحكومية وخاصة فيما يتعلق بشراء البرامج الاجنبية ولا بسياسة التوظيف التي اقرها ديوان الخدمة المدنية وتحديداً حول عدم اخطاره بتوظيف 35 أجنبياً تتراوح رواتبهم من 5 الى 9 آلاف دينار فانه وفي مكان آخر انتقد حلبة البحرين لسباق السيارات التي وصلت خسائرها لغاية ديسمبر 2009 الى 86.8 مليون دينار!!
ولا يختلف الامر بالنسبة لصندوق العمل الذي وجه اليه الكثير من الانتقادات من بينها ان الصندوق يدير 40 مشروعًا بميزانية تتجاوز 90 مليون دينار، ويدير تلك المشاريع 14 موظفا فقط، وان الكثير من المشاريع التي شملتها الرقابة لم تتمكن من تحديد الاهداف المرسومة لها مثل مشروع التدريب في قطاع الضيافة الذي تخرج منه 687 متدرباً وصرف عليه 1.9 مليون دينار حتى نوفمبر 2009 وبلغت نسبة التوظيف الفعلي فيه 21%!!
وكذلك الحال بالنسبة لادارة اموال القاصرين اذ انتقد هذه الادارة لادارتها استثمارات عقارية ومالية بقيمة 48 مليون دينار من دون خطط واستراتيجيات من اجل تحقيق الاهداف التي انشئت من اجلها، وحول مشروع البيوت الآيلة للسقوط كانت ملاحظات التقرير ان الانجازات التي حققها المشروع خلال السنوات الثلاث الماضية تعد متواضعة اذا ما قورنت بالمبالغ المعروفة والفترة المنقضية، حيث بلغت تكاليف المشروع للفترة من يونيو 2007 حتى سبتمبر 2009 مبلغ 16 مليون دينار لهدم 590 بيتاً واعادة وبناء 326 بيتاً منها 81 بيتاً قيد الانشاء!!
وينتقد التقرير قيام بعض المجالس البلدية بالصرف على فعاليات وانشطة خارجة عن اختصاصات المجالس مثل تكريم الطلبة المتفوقين والاعلاميين والصحافيين والمتقاعدين وتمويل انشطة رياضية وحملات تبرع بالدم والمساهمة في الزواج الجماعي ودعم انشطة دينية مثل حملات العمرة ومراكز تحفيظ القرآن وفضلاً عن ذلك تنظيم سفرات وصرف مخصصات وتذاكر سفر على الدرجة الاولى لاعضاء المجالس من دون وجود مستندات مؤيدة لفترة المهمة، والادهى ان الدعوات الاستطلاعية والزيارات لا توجد لها دعوات، او برامج من الجهات المستضيفة!! وان عدد مهمات المجالس البلدية بلغ 226 مهمة تضمنت 504 مشاركين منهم 449 عضواً و55 موظفاً من موظفي المجالس خلال الاربع سنوات الاخيرة بتكلفة بلغت 640.714 ديناراً.
وعلى مستوى نبك البحرين للتنمية، انتقد التقرير الكثير من اجراءات البنك حول منح قروض جديدة لمقترضين متعثرين في سداد قروض ما تزال قائمة!!
الخلاصة سعادة النواب نحن امام فساد مستشرٍ لا يفيد معه التهديد والوعيد وانما اتخاذ تدابير رقابية فعلية تتلخص في تشكيل لجان التحقيق والمساءلة، اما غير ذلك فمن الصعب محاربة الفساد والمفسدين.. ويا ترى متى ستتشكل هذه اللجان؟ العلم عند نواب الشعب.
الأيام 15 يناير 2011