مرة أخرى أجدني مسرورا بطبيعة ونوعية الحوارات التي دارت مطلع الأسبوع الجاري في ندوة مجلس الدوي بالمحرق حيث دعيت بمعية الأخ النائب الدكتور جاسم حسين للحديث حول تقرير ديوان الرقابة الأخير، فقد سبق لي ولمرات عديدة خلال السنوات العشر الأخيرة أن اقمت ندوات بهذا المجلس العامر الذي فرض نفسه بجدارة كمعلم من معالم المحرق ومقياس لمؤشر وحيوية أهل المحرق وتفاعلهم مع قضايا الشأن العام انطلاقا من حبهم لوطنهم ومسؤوليتهم تجاه قضاياه.
في مجالس المحرق يصبح الحديث له طعم خاص وتصبح جرأة ملامسة القضايا الوطنية خاصة عندما تقترن بمسؤولية ووعي، محل احترام من قبل الجميع حيث توجد هناك كل أطياف المجتمع في فضاء يعيدنا دائما إلى حيث كان الوطن نسيجا مؤتلفا وموحدا.
في ندوة تقرير ديوان الرقابة المالية.. ماذا بعد؟ كان واضحا حجم وردة فعل الحضور بكل تلاوينهم تجاه ما عرضه التقرير من قضايا فساد وتجاوزات ورشا وتلاعب بالمال العام، وكان سؤال ماذا بعد، حاضرا كما كان سؤال أين هي الحكومة من كل ما أفصحت عنه تلك التقارير منذ العام 2003 وحتى الآن؟! فبعد سبعة تقارير متخمة بالتجاوزات والفساد صدرت حتى الآن، يمكن القول ان هناك جهتين اثنتين باتتا محل مساءلة اولهما الحكومة بطبيعة الحال باعتبار كل تلك التجاوزات ومظاهر الفساد الموثقة بالأرقام يسأل عنها وزراء ووكلاء ومدراء كلهم دون استثناء وبحسب القانون يجب مساءلتهم واحدا بعد آخر على كل تلك التجاوزات، ومن ثم مجلس النواب باعتباره اهم جهة رقابية في البلد! الا أن سؤالا ظل يفرض نفسه على الحضور ونزولا عند فهم آليات عمل ديوان الرقابة وصولا لإعداد التقرير حيث ترسل التقارير الأولية للوزراء والمسؤولين لتنقيحها قبل نشرها وفي هذه الحالة يكون المسؤول والوزير والحكومة كذلك على علم بتلك المعطيات التي وثقت في نهاية المطاف في تقرير رفعت منه نسخ ثلاث لجلالة الملك ولسمو رئيس الوزراء ولمجلس النواب، والسؤال مفاده: إذا كان الحال كذلك والتجاوزات وتكرارها هي بهذا الحجم والإهمال بهذا القدر ويتم وبصورة مضاعفة عاما بعد آخر، فلماذا لم نسمع عن إقالات لمسؤولين ولماذا يعاد تعيين أولئك مرة بعد أخرى؟! ماذا يعني ذلك وهو الأمر سيان مع التقرير وبدونه؟!
حضور نائبين من المجلس الحالي ومن أكبر كتلتين بالمجلس احدهما متحدث والآخر متداخل ربما ساعد كثيرا في فهم ما ذهبت اليه من خلال متابعاتي للعمل النيابي في الجانب الرقابي بشكل عام وبالنسبة لتقارير ديوان الرقابة بشكل خاص، حيث ذكرت في الندوة كما ذكرت سابقا عبر متابعاتي وكتاباتي، ان تراخي مجلس النواب في الفصل التشريعي الثاني تحديدا ومساومات بعض الكتل في الفصلين المنصرمين بشكل عام وابتعادهم عن مجرد التأصيل لمحاسبة حقيقية وجادة انطلاقا من معطيات التقارير الثلاثة التي غيبت في الأدراج لمدة اربع سنوات وطرحت جميعها دفعة واحدة للمناقشة في جلسة ماراثونية اعطت مؤشرا سلبيا للحكومة بعدم الجدية في المحاسبة من قبل النواب في حين كان يمكن لتقارير الرقابة تلك بمعية الحسابات الختامية والموازنات العامة التي عرضت على المجلس ان تشكل حافزا للطرفين، الحكومة ومجلس النواب، للبدء في تأسيس نوع من المساءلة للوزارات والجهات الحكومية للتجاوب مع دور ديوان الرقابة المالية والإدارية في حماية المال العام، ولأن ذلك لم يحدث بكل أسف تجدنا كمجتمع مصدومين أشد صدمة بحجم التجاوزات والفساد في التقرير الأخير، ولأن المحاسبة لم تتم نجد ان هناك اكثر من 45% من الوزارات والجهات الحكومية لم تتجاوب مع دور ديوان الرقابة وان 32% من تلك الجهات تقدم معلومات مضللة للديوان.
وهكذا دواليك تجد ان ذات التجاوزات تتكرر ومنذ التقرير الأول حتى التقرير الحالي، حيث تتجاوز العديد من الوزارات قانون المناقصات وأبسط المعايير المحاسبية الدولية، أو لا توجد لديها حتى الآن إدارات للتدقيق الداخلي، والالتفاف على قانون الميزانية العامة بشأن الاعتمادات المرصودة أو بيع وإعادة تأجير الأصول، وعدم وجود سياسات استثمارية للمئات من الملايين، وعدم وجود هياكل إدارية قادرة على إدارة مشاريع بعشرات الملايين وغيرها الكثير.. أمثلة صارخة على عدم الاكتراث من قبل جهات حكومية كثيرة لم تستشعر المسؤولية وبات الأمر يتطلب اكثر من وقفة من لجان وزارية، ولسان حال الناس وحديثهم المباشر يقول متى سنرى من تطاولوا على المال العام وكسروا القوانين يقدمون للمساءلة أو تتم مساءلتهم.. وحتى لا تبقى التقارير ومواعيد صدورها مناسبة سنوية للطم وندب الحظ والقنوط.
في ختام الندوة أعترف انني اصبت بحالة اكتئاب جراء تقاذف النائبين الحاضرين للمسؤولية والتعويل على التعاون فيما بين كتلتيهما، وأخيرا وليس آخرا هو الهروب من تحمل المسؤولية وما ينم عن عدم وجود أولويات واضحة لدى بعض الكتل عندما أفصح زميلي النائب المتحدث عن عدم وجود وقت كاف لدى المجلس لمناقشة التقرير، خاصة وان المجلس كما ذكر لديه من المشاريع والمقترحات الكثير وأمامه الموازنة العامة والحساب الختامي.. حدث هذا وسط ذهول الحضور وردة فعلهم السريعــة.. فـــأي رسالة يوجهها المجلس الحالي للحكومة والرأي العام يا ترى؟