دفعة واحدة، وعلى نحو مفاجئ، شهدت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في غير بلد عربي انهياراً وصل حد الصدام الذي اتخذ أشكالاً مختلفة، تناسباً مع درجة الاحتقان والمستوى الذي بلغته القطيعة بين قطبي معادلة الحكم المدني المعاصر.
فمن الأردن إلى مصر ثم إلى اليمن ثم إلى الكويت اندلعت الأزمات تباعاً بين السلطات/الأحزاب الحاكمة وبين القوى المجتمعية والسياسية المعارضة التي تنافس وتصارع من أجل تعزيز مواقعها السياسية ونفوذها في عملية صناعة القرار الوطني، عبر تعظيم وجودها المادي داخل السلطة التشريعية التي تتوفر على اختصاصين بالغي الأهمية بالنسبة لفرص تعزيز تلك المواقع وذلك النفوذ.. وهما التشريع والرقابة.
ففي الأردن أجريت الانتخابات البرلمانية في التاسع من نوفمبر الماضي وسط مقاطعة لجماعة الإخوان المسلمين الناخبين، تعبيراً عن عدم رضاهم عن قانون الانتخابات القائم على أساس الصوت الواحد الذي رفضت الحكومة تعديله من أجل خلق التوازن بين مختلف الدوائر الانتخابية، ومنح المدن الكبرى تمثيلاً عادلاً يوازن التمثيل الكبير الذي أُعطي للمناطق القبلية قليلة السكان، فضلاً عن عزوف الناخبين المحبطين من المستوى الخفيض لمخرجات البرلمان السابق.
وقد أسفرت هذه الانتخابات، كما هو معروف، عن تشكيلة برلمانية يغلب عليها المستقلون وغياب تام للإخوان المسلمين، حيث بلغ عدد الأشخاص الذين فازوا بعضوية المجلس للمرة الأولى 80 نائباً من إجمالي عدد نواب البرلمان البالغ 120 عضواً (أي حوالي 70٪)، أما الأبرز والأكثر أهمية في هذه الانتخابات وهذا المجلس فهو نجاح 13 نائبة من إجمالي 30 نائبة من الحصة (الكوتا) النسائية التي خصصت للنساء في هذه الانتخابات.
وفي مصر، حيث أجريت الانتخابات البرلمانية على دفعتين الأولى يوم الأحد 28 نوفمبر 2010 والثانية يوم الأحد 5 ديسمبر 2010 ، أسفرت نتائجها في الجولة الأولى عن فوز الحزب الوطني الحاكم بـ209 مقاعد، والمستقلين بسبعة مقاعد، والمعارضة بخمسة مقاعد، منها مقعدان لحزب الوفد ومقعد لحزب التجمع، وكانت المفاجأة عدم حصول جماعة الإخوان المسلمين الذين رفضوا الانضمام لحملة المقاطعة التي أعلنتها أحزاب المعارضة، على أي مقعد مع أنها نجحت في توصيل 88 من مرشحيها لقبة البرلمان السابق، وفي الجولة الثانية التي أجريت على 283 مقعداً المتبقية، قرر كل من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد مقاطعتها، وكان يفترض أن يدخل حزب الوفد دور الإعادة بتسعة مرشحين تأهلوا لخوض التصفية النهائية في الجولة الثانية، بينما كان يفترض أن تخوض جماعة الإخوان الدورة الثانية بـ26 من مرشحيها المتأهلين من الجولة الأولى. باستثناء حفنة من المستقلين وثلاثة نواب من المعارضة، فإن الحزب الوطني الحاكم أصبح مهيمناً بشكل كامل على مجلس الشعب المصري بنسبة تزيد على 3,91٪ من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ ,518 منهم 10 مقاعد يتم تعيين شاغليها من قبل رئيس الجمهورية، علماً أن الحزب الوطني كان قد فاز في انتخابات عام 2005 بـ330 مقعداً مقابل 420 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى 53 مقعداً من إجمالي المقاعد التي فاز بها المستقلون وعددها 68 مقعداً، حيث إنهم ينتمون للحزب الوطني.
كان لابد أن تؤدي هذه الانتخابات وتداعياتها إلى مزيد من توسيع الفجوة بين السلطة التنفيذية والقوى الاجتماعية التي تسعى لموازنتها، ولو نسبياً، عن طريق السلطة التشريعية.
في اليمن اتهمت أحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء ‘اللقاء المشترك’ الحزب الحاكم ‘حزب المؤتمر الشعبي العام’ بالنكوث عن اتفاق فبراير 2009 الذي تم التوافق بموجبه بين الحزب الحاكم وأحزاب ‘اللقاء المشترك’ برعاية أوروبية على تأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة عامين، بقيامه بإجراء تعديلات أحادية على قانون الانتخاب لإجراء الانتخابات في شهر أبريل القادم، وعلى إثر ذلك دعت أحزاب المعارضة إلى ما أسمته ‘هبة غضب شعبية لاستعادة الحق في التغيير والعدالة الاجتماعية والشراكة الوطنية في السلطة والثروة’.
وفي دولة الكويت نشبت أزمة بين السلطة التنفيذية وعدد من نواب بعض الكتل في مجلس الأمة الكويتي على خلفية الندوات المتنقلة التي ينظمها أولئك النواب تحت شعار ‘إلا الدستور’، وجلهم من جماعات الإسلام السياسي، في دواوينهم (مجالسهم) الخاصة، والتي تخلل بعضها اشتباكات بين الأمن والحضور، ومنهم عدد من النواب المتواجدين في تلك الندوات، وتحديداً الندوة التي نُظمت في ديوانية النائب أحمد السعدون بتاريخ 4/12/2010 والتي سجل فيها قيام حشد من حضور الندوة المحسوب على تيارات الإسلام السياسي السلفي التي تقوم بالتحشيد والتعبئة ضد الحكومة التي يرأسها الشيخ ناصر المحمد الصباح، بالاعتداء على الناشط محمد الجويهل، والندوة الثانية التي نظمتها نفس المجموعة المحسوبة أساساً على التيار السلفي في ديوانية د.جمعان الحربش بتاريخ 8/12/2010 والتي شهدت اشتباكات بين قوات الأمن وبعض النواب وأنصارهم.
ماذا يعني كل هذا؟ وإلى ما يؤشر هذا التدهور السريع والمتداعي لطرفي المعادلة الديمقراطية في العالم العربي أي السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ وما هي تبعاته على الوضع العام في البلدان المعنية وربما الأخرى التي قد لا تكون بعيدة كثيراً عن مآلات الحالات سالفة الذكر؟
قد يرى البعض أن نموذج الديمقراطية العربية منخفض الحدة (LOW-INTENSE DEMOCRACY)، أي بمعنى آخر الديمقراطية الموجهة (STATE-CONTROLLED DEMOCRACY) ربما يؤشر إلى حدوث ما يشبه ‘الاختناق’ للديمقراطية العربية بالحيز الضيق الذي احتُجزت فيه، فأرادت التعبير عن حاجتها لتنفيس حالة الاحتقان التي شعرت بها، فجاء ذلك على شكل صدام وتدهور علاقات السلطتين التنفيذية والتشريعية في حالات متكررة وشبيهة مع بعضها البعض إلى حد كبير.
غني عن القول أن العلاقة الصحية المتكافئة والفاعلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تشكل صمام أمان الاستقرار لأي مجتمع معاصر، لاسيما في مجتمعات ديمقراطيات العالم ثالثية الناشئة (EMERGING DEMOCRACIES)
وبضمنها ديمقراطياتنا الموجهة .( STATE-CONTROLLED DEMOCRACIES)