المنشور

برنامـج الحكومـة


مسألتان مهمتان ينبغي من السلطة التشريعية التعاطي معهما برؤية مسؤولة بعيدة عن المساومات والمزايدات والانتقائية.
الأولى برنامج عمل الحكومة للأربع السنوات القادمة، والأخرى تقرير ديوان الرقابة المالية الذي سنتناوله في مقالة لاحقة.

في البدء من قراءة برنامج الحكومة نخرج بانطباع ايجابي لكونه يشمل محاور عدة تتعلق بحاجات المواطن والوضع المالي والاقتصادي والتنمية والصحة والتعليم والاسكان والثقافة والاعلام وهذا بكل تأكيد يحتاج كما قال البعض الى فرق عمل متخصصة على مستوى عالٍ من الكفاءة والدراية والمعرفة ولكن قراءته تترك ايضاً انطباعاً آخر وهو ان البرنامج لا يخلو من الملاحظات التي تتمثل ليس في عموميات البرنامج وخاصة فيما يتعلق بتحسين اوضاع المواطن الحياتية والمادية في ظل غياب الكيفية التي ينبغي ان نتعاطى معها لتطوير الديمقراطية والعملية السياسية التي تستدعي مراجعة التشريعات السياسية والقوانين الاقتصادية والمدنية التي لا تتناسب مع حاجات ومتطلبات المرحلة التي تمر بها البحرين حالياً.
 
من بين تلك الملاحظات الهامة التي اثيرت حول البرنامج تبرز لنا ملاحظة احد أعضاء مجلس الشورى وهي ان الحكومة قد اكدت على الميزانية وجانب من المصروفات المتكررة وهذا في الواقع يلامس قضية في غاية الاهمية وهي متى ما تم استهلاك هذه المصروفات لجزء كبير من الميزانية فان ذلك سيتم على حساب بعض المشاريع التنموية التي تصب في مصلحة المواطن وهذا ما يجب اعادة النظر فيه اذا ما قدمت الميزانية ويجب ان يدرس بشكل جيد من قبل السلطة التشريعية اي من اللجنة التي شكلت من قبل المجلسين لانه لابد ان يكون ثمة توازن لتغطية الجوانب التنموية في حين ان احد النواب كانت ملاحظته تقول لنا عكس ذلك، حيث يرى لابد من زيادة المصروفات لما له فائدة على الاقتصاد البحريني، مشيراً الى ان النمو الاقتصادي لا يتأتى إلا من خلال الصرف على المشاريع التي من شأنها خلق فرص عمل.

صحيح ان البرنامج ركز على مرئيات هامة تدعم رؤية البحرين الاقتصادية والتنموية من خلال الحفاظ على مقومات الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى الانتاجية والكفاءة والاداء وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد وتطوير مظلة الرعاية الاجتماعية ودعم برامج ومشاريع دخل المواطنين وتوفير السكن الملائم وتطوير التعليم والتدريب وتشجيع البحث العلمي ودعم الخدمات الصحية والبنية التحتية وتعزيز موقع البحرين كمركز للخدمات ومع اهمية كل ذلك كان بودنا ان يقدم البرنامج وبشيء من التفصيل عن خطة وآليات عمل تشير الى معالجة حالات الفقر وتحسين الاجور ومكافحة الغلاء في ظل التضخم الموجود، والامر الآخر والهام جداً هو ما اشار اليه الاقتصادي الأخ عبدالنبي سلمان عندما كتب في احد مقالاته ان برنامج عمل الحكومة الذي رفعته للمجلس الوطني رؤية الدولة للمرحلة القادمة وهو الامر المفترض ان تستتبعه خطوات عملية حتى لا يكون محض استنساخ لما سبقه من برامج خاصة وان مؤشرات السلطة التنفيذية تخبرنا ان الحكومة استكملت فقط ما نسبته 62 في المئة من ميزانية المشاريع لعام 2009 وبعد ان كان لدينا فوائض مالية قبيل الازمة المالية الأخيرة اتجهنا عوضاً عن ذلك للاستدانة لتغطية ما اصاب موازنتنا من عجوزات وسيبلغ حجم الدَّين العام للدولة مع نهاية 2012 ما مجموعه 5800 مليون دينار وهو ما يعني بكل تأكيد قفزة كبرى متوقعة في خدمة الدَّين العام وما يعنيه ذلك من عبء مضاعف على الموازنة العامة، والشيء الآخر الذي يحتم علينا الوقوف عنده هو ان الحساب الختامي للدولة يكشف لنا عن عجز موازنة 2009 والذي يقدر بـ 446 مليون دينار، ويكشف ايضاً ان التقديرات تشير الى ان اجمالي العجز عند اعتماد الموازنة للدولة للسنتين الماليتين 2009 و2010 ما نسبته 48.9 في المئة من اجمالي الايرادات العامة وان اجمالي الدَّين الحكومي للسنة المالية 2009 حقق ارتفاعاً بمعدل 36.5 في المئة مقارنة بما كان عليه في السنة المالية 2008، والشيء الآخر الذي يلفت الانتباه هو ما نشر في احدى الصحف المحلية عن الحساب الختامي وهو ان المصروفات الفعلية للسنة المالية 2009 لم تتضمن مصروفات بمبلغ 4.701.031 ديناراً اذ تم تحميلها على موازنة السنة المالية 2010. بينما تتضمن المصروفات الفعلية مصروفات تخص العام 2008 بمبلغ 30.501.414 ديناراً ليبلغ مجموع المبالغ غير المسجلة (35.202.440 ديناراً) اي وبالعربي الفصيح هناك 35 مليون دينار مصروفات غير مسجلة.

وتخلص من هذا ان البرنامج بالرغم مما تطرق اليه من محاور اقتصادية واجتماعية تتطلب وفقاً لما جاء فيه استراتيجيات اقتصادية فاعلة تؤدي الى معالجة العجز المالي في الموازنات وزيادة الاحتياطات النقدية وتقليل الدين العام وتعميق الشراكة مع القطاع الخاص وتنمية القطاع السياحي فان اغلب المخاوف تقودنا الى التفكير في كيفية تجنب التأثيرات السلبية التي قد تعطل أو تعيق تنفيذ البرنامج في ظل العجز المالي في الموازنات وفي ظل الدين العام؟

وأخيراً، نأمل من المجلس الوطني بغرفتيه ان يناقش ويدرس برنامج عمل الحكومة دراسة موضوعية وافية تتناسب مع مصالح البلاد العليا وحاجات وتطلعات المواطن.
 
الأيام 8 يناير 2011