المنشور

من أين نقرأ الجريدة ؟


إن أردت أن تعرف الفوارق بين ميول واهتمامات البشر، فراقب الطريقة التي يقرأ بها كل منهم جريدة كل يوم.
شريحة واسعة من القراء تشتري الجريدة لا لكي تطالعها وإنما لتطالع الملحق الرياضي اليومي. الملحق هو الأصل أما الجريدة فهي الفرع. لا يمنع ذلك أن المهتمين بالرياضة قد يتصفحون الجريدة ذاتها بسرعة تزيد أو تنقص، ولكن بعد أن يكونوا قد فرغوا من «فلفلة» أخبار الرياضة.

شريحة أخرى تهرع بعد الإمساك بالجريدة إلى صفحة الإعلانات المبوبة، هؤلاء في الغالب ليسوا قراء دائمين، إنهم يبحثون عن أمر ما يعنيهم هناك: وظائف شاغرة، سيارات للبيع، شقق للإيجار.. الخ. ما يميز هذه الشريحة أنها ليست ثابتة ولكنها موجودة دائماً لأن حاجات البشر لما يقدمه باب الإعلانات المبوبة حاجة متجددة. يتغير الأفراد أما الحاجات فثابتة.

ثمة قراء أول ما يفعلونه هو الذهاب إلى الصفحة التي تتضمن بيانات الأبراج أو الحظ. لدى الناس شغف غريب بمعرفة طالعها. والناس تدرك أن الأمر ينطوي في حالات كثيرة على فبركة، لكنها تصدق ما هو مكتوب، تتفاءل به أو تتشاءم. يمكن للناس أن يٌصدقوا الوهم طواعية.

متعة قراءة البرج أو الطالع لا تقل عن متعة أولئك الذين تشدهم التسالي: حل الكلمات المتقاطعة مثلاً، ففي حلها تجزية للوقت خاصة حين تعم البطالة المقنعة، حيث موظفون لا عملاً محدداً أمامهم.

لا أحد يحل الكلمات المتقاطعة في منزله، الناس تحل هذه الكلمات في المكاتب، أو أماكن العمل.. وربما في المقاهي إذا أنعم الله عليك وظفرت بتقاعد مبكر مقرون بصحة جيدة لا تعرف ماذا تعمل بها.

لكن ماذا عن الصفحة الأولى وماذا عن الصفحة الأخيرة من الجريدة. ثمة ميل تقليدي لأن يلقى المرء نظرة سريعة على الصفحة الأولى يطالع بها العناوين، ثم يقلب على الصفحة الأخيرة التي تخلو من أخبار الكوارث والحروب والمفاوضات والمناوشات. هنا المادة الخفيفة، المسلية، أما على الصفحة الأولى فهناك الجد.

البعض يميل لتصفح الجريدة كاملة بتأنٍ بدءاً من صفحتها الأولى وانتهاء بصفحتها الأخيرة، أنه يتفحص كل العناوين ويقرأ الكثير مما تحتها. وهناك من يذهب أول ما يذهب لقراءة أو معرفة ما كتبه كاتبه المفضل، ثم يطالع باقي الجريدة، وهناك من يذهب إلى الصفحة التي تتصل باهتماماته وميوله. أهل الأدب والثقافة مثلاً يمكن أن يتصفحوا الجريدة بسرعة ليصلوا إلى صفحة «الثقافة»، وقد لا يصلوا إليها لأن إعلاناً صادر مكانها.. لا بأس! الثقافة «حمالة أسية» بإمكانها أن تنتظر يوماً آخر.

هل حدث مرة أن سألك أحدهم يوماً: هل قرأت الجريدة اليوم؟ وأجبته بنعم، فيقول لك هل قرأت الخبر الفلاني أو التعليق العلاني، فيسقط في يديك، لأن الخبر أو التعليق الذي بدا مهماً جداً لم تقع عليه عيناك، أما تفسير ذلك فهو أننا نقرأ الجريدة ولا نقرأها في آن، أننا نطالع ما يهمنا، أو ما نظن أنه يهمنا. وكثيراً ما يحدث أن الأهم ليس هو الذي يأتي تحت المانشيت الكبير. يمكن لخبر صغير، صغير جداً، أن يكون هو الأهم على الإطلاق حتى لو لم نتبه له.