في تقرير ديوان الرقابة للعام 2004 تحفظ التقرير على 4 وزارات فقط.. في العام 2008 تضاعف العدد لـ12 وزارة وجهة، وها قد وصل في تقرير 2009 لـ17 بالتمام والكمال.. فأي رسالة تلك التي تصل لتلغراف الوطن عبر هذه المفارقة ؟!
ببساطة أن الوزارات تتجاهل التقرير.. ومثلهم النواب والصحافة ومؤسسات الدولة القانونية والمجتمعية.. ست تقارير مرت من قبل فيها من الفضائح والتجاوزات ما يكفي لأن يذوب 5 وزراء – على الأقل- خجلاً، وأن يُهرب كبار قياديي الشركات للخارج جزعاً وهرباً من القضبان والأصفاد – ولو سيق تقرير كهذا في دولةً متقدمة، لشهدنا استقالات وإقالات ومحاكمات بالجملة- ولكن أقصى ما رأيناه خلال السنوات السبع المنصرمات هو تصريحات تهدئة من الحكومة.. وصيحات استنكاراً من القوى السياسية.. وبعض المقالات والتغطيات الإعلامية التي تتلاشي بعد أسابيع.. وتستغرق ضجة التقرير شهراً – على الأكثر- ثم يُطوى ذكرهُ كطي السجل للكتب !!
وزراءنا ومتنفذينا عرفوا تلك ” الطبخة” فما عادوا يخشون في الباطل لومه لائم.. ناهيك أن وجوه هؤلاء “عريضة ” كما نقول بلهجتنا الدارجة ، لا لكونهم يأكلون اللحم العربي الدسم في ما “نمضغ” نحن اللحم الأسترالي المُليف، بل لأن حيائهم قليل وإحساسهم أقل..لذا فأنهم رغم ما يقال عن هدرهم وتجاوزاتهم وتلاعبهم بالأموال والمقدرات يتمشون مختالين كالطواويس !! فسبحان من جعل الحياء مجرد قطرة.. إن سقطت؛ سقط الإنسان للأبد ..!!!
وماذا عن النواب..؟!
خلال الدورات الماضية كم طلب استجواب قدموا لهؤلاء الوزراء؟ في الدورات السابقة اكتفى النواب بالتصريحات لإرضاءً الجماهير.. أعقبها استثمار ذكي لما ورد في التقرير لخوض مساومات مع الجهات النافذة تحت شعار ” حّـنونه من حناكم” واستغل التقرير بذلك لتبادل المصالح وتحقيق مطالب حزبية وفئوية ضيقة ما جعل الأمر يتفاقم لأن من أمن العقاب.. لا شك يسئ الأدب مراراً !
****
النقاط التي أثارها التقرير كثيرة وصادمة.. نقطتان منهما استوقفتاني بشكل خاص لخطورتهما وإغفالهما عند الحديث العام لسبب أو لآخر..
الأولى متعلقة بحركة مستفزة قامت بها وزارة المالية بالتهادن مع شركة حلبة البحرين الدولية اشترت بموجبها الأولى الأرض والمباني والموجودات الثابتة الملحقة بالحلبة مطلع يناير 2009 بمبلغ 62.5 مليون دينار، ولا شيء مستهجن لهذا الحّد فخسائر الشركة الفلكية، والرغبة اللجوجة في تغطيتها، تتطلب إجراءات راديكالية ولا شك ولكن.. أن تقوم وزارة المالية بتأجير تلك الموجودات والأصول – ثانيةً- لحلبة البحرين مقابل دينار واحد سنوياً، ولمدة 90 سنة قادمة، فمهزلةٌ ما بعدها مهزلة..!!
لوهلةً أخلت أن الأرض اهتزت وأنا أقرأ تلك المعلومة الخجولة.. أي ضحك على الذقون هذا وأي استخفاف بالعقول !! كيف تستثمر المالية 62.5 مليون ولمدة 90 عام مقابل عائد لا يشتري هاتفاً محمولاً.. !! الله أكبر.. هل تعتقدون أن خزينة الدولة محفظة خاصة..؟ ولماذا تسخرون منا بهذه الطريقة.. ؟ قولوا أنكم أعطيتم حلبة البحرين منحة/ هدية بقيمة 62 مليون ولا داعي لهذه الالتفاتة التي تنم عن استهانة وتهريج على الشعب الغافل.. ثم تعالوا هنا.. كيف تعقد الحكومة صفقات كهذه – من أموال الشعب- دون العودة لممثلي الشعب ؟
وعلى ذكر ممثلي الشعب نتساءل.. من يحاسب هؤلاء بشأن الهدر والاستغلال الذي مارسه أعضاء المجالس البلدية والذي كُشف سترهُ بعد أن كنا نشم ريحهُ ونُكذب أنوفنا .. التقرير فضح عن قيام 449 عضواً بلدياً بالسفر على نفقة المجالس لحضور ندوات ومؤتمرات ودورات تدريبية ليست لأغلبها صلة باختصاصات العضو البلدي (!!!).. كما أشار التقرير لأن ثلاثة أعضاء من المجلس البلدي للمحرق درسوا دبلوماً في مصر كلف 3.420 دينار لكل عضو، على نفقة المجلس، ولمدة أسبوعين.. !
بل وكان عدد من البلديين، ممثلي الشعب وحماةُ أمواله، يتقاضون مخصصات مرتين.. ويسافرون على الدرجة الأولى ويستلمون مخصصات تفوق بنسبة 50% تعويضات السفر اليومية ولماذا ؟ للذهاب لـ” زيارات استطلاعية” بمبادرة منهم، دون وجود برامح عمل أو دعوة من تلك الدول .. أي أنها كانت ” بالعربي” إجازات مدفوعة الثمن على ظهر الدولة.. !! وإن كنا نطالب بمحاكمة واستجواب المسئولين فمن يحاكم هؤلاء الذين خانوا الأمانة ومصوا دماء الشعب الذي حملهم فوق أكتافه..؟ الشعب المسحول حتى العظم من الظلم الذي يطاله من كل صوب وحدب !!
أننا بحاجة لموقف وطني وأخلاقي صادق تتبناه الجمعيات السياسية التي أوصلت هؤلاء للكراسي وعليها اليوم أن تحقق معهم وتجرسهم وتفصلهم أيضاً ليكونوا عبره لسواهم.. وبالمثل فعلى القيادة أن تعلق المشانق لمن تلوثت حساباته بمال الشعب أو تصرف وكأنه فوق القانون أو أن خزينة الدولة هي حسابه البنكي..
سمو رئيس الوزراء – حفظه الله- وعد، ونحن لسنا بطماعين ولكننا نريد كبش فداء.. سمين هذه المرة.. يبثُ عقابهُ الرعب في من يخاف خسارة الكرسي أكثر مما يخاف الله.. نريد أن نشعر بأن لأموالنا حرمة.. وان القانون يحمي الشعب وإن كان مغفلاً أو غافلاً أو منشغلا بالمسرحيات والصراعات الطائفية عن حقوقه الحقيقيه ..
ولا تشكوا في أن لهذا الحديث.. بقية
هامش ضروري :
لا يكتمل هذا المقال إلا بتوجيه تحية لديوان الرقابة المالية، بدءاً بحسن الجلاهمة رأس الهرم وامتداداً للمدققين والمستشارين والأخصائيين ووصولاً للكتبة والسكرتارية أيضاً.. فككاتبة تستهدف مواطن الفساد أملك فكرة – أكثر من كافية- عن الضغوط والتهديدات والمغريات والتعقيدات التي يتعرض لها هؤلاء، وهي ضغوطٌ تطال الحياة الشخصية بالمناسبة، فالعلاقات الاجتماعية في البحرين شديدة التشابك والامتداد وبالتالي كثيراً ما تمس الأطروحات أقرباء وانسباء وأصدقاء ولكن من يشتري مرضاة الله ويرتهن لأمر الضمير ويعقد عينيه على الوطن يتحامل على نفسه.. فحري بنا كشعب أن نُجل هؤلاء ونُثمن عملهم وحرفيتهم وجديتهم فلهم منا كل شكر واحترام..
موقع لميس 5 يناير 2011