هناك توقّع قد يكون صحيحا في جانبه الحسابي بألا يصل عدد النواب المؤيدين لطلب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء إلى غالبية الأعضاء، الذين يتألف منهم مجلس الأمة من غير الوزراء… ولكن ما يعنينا أكثر أنّ هناك انطباعا خاطئا يفترض أنّه بذلك التصويت ستطوى صفحة الأزمة السياسية المحتدمة في البلاد، مثلما حدث في أعقاب التصويت السابق على الطلب المماثل بعدم إمكان التعاون معه في 16 ديسمبر من العام 2009، وكأنّ الوضعين سواء!
ولعلّ هناك الآن مَنْ يوهم نفسه أنّ الأمور ستعود يوم بعد غدٍ الأربعاء إلى سابق عهدها، الذي كان قائما قبيل يوم التاسع من نوفمبر الفائت، عندما أهدرت الحكومة عامدة متعمدة مبدأ الحصانة البرلمانية الموضوعية المطلقة ومرّرت الطلب غير الدستوري برفعها عن النائب الدكتور فيصل المسلم… وقد يكون هناك مَنْ يوهم نفسه أنّ الأوضاع سرعان ما ستعود إلى ما كانت عليه قبيل يومي الثلاثين من نوفمبر والأول من ديسمبر الفائتين عندما عطّلت الحكومة النصاب في جلستي مجلس الأمة المقررتين لمناقشة طلبها غير الدستوري…
وربما كان هناك مَنْ يوهم نفسه أنّ الطلب الحكومي غير الدستوري برفع الحصانة البرلمانية الموضوعية قد تحوّل الآن إلى سابقة دستورية محصّنة ومعترف بها، وذلك بعدما نجحت الحكومة يوم التاسع من ديسمبر الماضي في اجتياز مدة الشهر المقررة دستوريا ولائحيا للحصول على الإذن التلقائي برفع الحصانة البرلمانية الإجرائية؛ حيث لم يتخذ مجلس الأمة قراره في شأنها قبل انقضاء المدة…
وكذلك لعلّ هناك افتراضا حكوميا واهما بأنّ الأفلام المدبلجة والتبريرات المتهافتة ستطوي الصفحة القمعية السوداء لخطيئة الصليبيخات مساء يوم الثامن من ديسمبر المنصرم وتمحوها من الذاكرة الشعبية… وأيضا ربما أوهم البعض نفسه أنّ الرأي العام الشعبي سيتقبّل مع مرور الوقت ما يتعرض له الدكتور عبيد الوسمي، وقبله محمد عبدالقادر الجاسم وخالد الفضالة، وبعدهم النائب الدكتور فيصل المسلم من ملاحقات سياسية تحت غطاء قانوني، وسيكتفي بالنظر إليها والتعامل معها من الجانب القانوني الشكلي ويتناسى البعد السياسي الخطير لها…
وقد يكون هناك مَنْ يفترض أنّه لن تترتب أي تداعيات أو عواقب على ما تعرّضت له حرية الاجتماعات العامة من تضييق غير مسبوق، ولن يتغيّر شيء بعدما يتم فرض القيود السلطوية الجديدة على حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الصحافة والنشر في حال إقرار مشروعي التعديلات الحكومية على قانوني المطبوعات والنشر والإعلام المرئي والمسموع… وربما أوهم البعض نفسه أنّ الكويتيين “قوم ما كاري”، متجاهلا عن سوء قصد تضحياتهم المشهودة ومواقفهم المعهودة دفاعا عن حرية وطنهم وذودا عن مكتسباتهم الديمقراطية!
قد يتوهم مَنْ يتوهم، ويفترض خطأ مَنْ يفترض، ولكن الأوهام والافتراضات شيء مختلف تماما عن الواقع، الذي لا تحكمه الأوهام ولا تحدّه الافتراضات الخاطئة… فللواقع تناقضاته وتعقيداته وحقائقه… وما دامت الأسباب والعوامل والتناقضات، التي أوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه قائمة ولما تُعالج بعد فإنّ الأزمة لن تُحلّ، وإنما ستستفحل… وما دام النهج المتّبع في إدارة البلد بشخوصه ومفرداته وعناوينه لما يتغيّر، بل ربما سيظن أصحابه أنّه قد انتصر في التصويت العددي على طلب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، فإنّ عواقب مواصلة مثل هذا النهج وتداعيات استمراره ستمهد الطريق أمام تفاقم الأزمة وانتقالها إلى أطوار جديدة، وذلك بغض النظر عن الهدوء النسبي والسكون الظاهري أو حتى الاستسلام الوقتي.
باختصار، لا حلّ للأزمات إلا بمعالجة أسبابها… وهذا ما يقوله العلم؛ ويثبته المنطق؛ وتؤكده التجارب؛ ويعلمنا إياه التاريخ!
جريدة عالم اليوم 3 يناير 2011