يخطئ من يعتقد بان فكرة تأسيس التيار الوطني الديمقراطي، كإطار وطني جامع بين القوى والشخصيات الوطنية، جاءت كردة فعل على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، أو الهدف من قيامه لمواجهة طرف من أطراف تيار الإسلام السياسي، فالذي يعتقد ذلك، لا يقرأ التاريخ في الماضي والحاضر، بدءًا بنشوء الحركة الوطنية البحرينية، وهي حركة متأصلة في وجدان الشعب البحريني، منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، انبثقت من الأحياء الشعبية في المدن والقرى، رافعة راية النضال الوطني ومطالبه بالحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، ومن اجل تحقيق تلك الأهداف والمطالب الوطنية قدمت قوافل من المناضلين الشجعان، معتقلين ومنفيين وشهداء ومطاردين ومحرومين من العمل والسفر والسكن، دفعت الثمن غالية في ظروف، في غاية الصعوبة والقساوة، وهي التي أشعلت وقادت الحركة الوطنية والشعبية والعمالية والطلابية في أهم المحطات التاريخية لشعبنا، نكتب ذلك، لان الجيل الحالي لا يعرف تلك التضحيات، وهناك من يبخس تلك النضالات و يجب ان يؤرخ من قبل المناضلين الأحياء لتلك الحقبة السياسية التاريخية لوطننا وشعبنا، وان تدرس من خلال مادة التاريخ في المدارس والجامعات في البحرين.
نأتي إلى فكرة تأسيس التيار الوطني الديمقراطي في البحرين، ونحاول العودة إلى الماضي، في قراءة سريعة، في السابق كانت فكرة قيام الجبهة الوطنية او الجبهة الوطنية الديمقراطية، أو الجبهة الوطنية الشعبية المتحدة،.. الخ من التسميات، من اجل التعاون والتنسيق في العديد من القضايا والمواقف المشتركة، بالرغم من الاختلاف والتباين الفكري والسياسي بين القوى السياسية البحرينية في تلك الفترة، إلا انها استطاعت ان تحقق بعض الانجازات الوطنية، نذكر منها، تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في عام 1972، الذي لعب دوراً كبيراً في إعداد الكوادر الطلابية والنقابية و السياسية، والبعض منها اليوم من قيادات الجمعيات السياسية الديمقراطية، وجاء في مقدمة دستوره بأنه رافد من روافد الحركة الوطنية البحرينية، وفيما بعد، تم تأسيس اتحاد عمال البحرين في الخارج، بين اللجنة التأسيسية ولجنة التنسيق «العماليتين»، وتم توحيد الأنشطة الشبابية والنسائية في الاتحادات العربية، وحضور المؤتمرات المشتركة، والمشاركة في المهرجانات والفعاليات الدولية، على أصعدة عدة، شبابية، طلابية، عمالية، حقوقية وغيرها من الأنشطة المشتركة، ذلك النشاط والعمل الوطني المشترك، قل في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، لأسباب عديدة، ذاتية وموضوعية، يراد لها كتابات أخرى، والذي نحن بصدده، الإصرار والإلحاح من قبل شخصيات وكوادر وطنية وديمقراطية وليبرالية، على الجمعيات الوطنية الديمقراطية، بالإسراع بقيام التيار الوطني الديمقراطي، وما يمثله من تاريخ سياسي عريق، ليكون رقماً صعباً في المعادلة السياسية في البحرين، ونداً قوياً يسمع صوته ويحترم رأيه في المجتمع.
ما تريده الشخصيات الوطنية والكتاب الليبراليون، ليس الاندماج الفوري بين الجمعيات الوطنية الديمقراطية، حالياً، بل يطالبونهم، بالتنسيق والتعاون، والتحالف الوطني،و وضع الأهداف الموحدة للشعب، وان يمارس التكتيك السياسي لخدمة الاستراتيجية الوطنية، بمعنى ان تكون هناك رؤى واضحة المعالم، هوية ذلك التيار، أهدافه ومطالبه، قراراته، مؤتمراته وان يعمق من الحوارات والنقاشات الهادفة بين أعضائه، من خلال تنظيم ورش العمل والحلقات المفتوحة، وان يتميز في اطروحاته السياسية عن تيار الإسلام السياسي، و في خطابه المعبر عن كل مكونات هذا الشعب وان يحدد وبدقة بين مفهومين، الدولة المدنية، ماذا تعني، الدولة الدينية وماذا تعني، تحديد الخيارات والمسارات، بما يعني معرفة الموقف من الديمقراطية والحريات العامة والشخصية، والمساواة والعدالة الاجتماعية، حقوق المرأة والطفل، وقضايا حقوق الإنسان، المعارضة والسلطة، تساؤلات مشروعة من الممكن ان تثار من خلال الإعداد والتحضير الجيد من اجل انعقاد المؤتمر العام الوطني، و الذي يفترض ان تناقش فيه كل القضايا والاشكاليات وبشفافية عالية الى جانب اوراق العمل المقدمة للمؤتمر، و الذي في حالة الاتفاق عليه سوف يدعو لحضوره ممثلي القوى الوطنية الديمقراطية، والشخصيات الوطنية والليبرالية، الكتاب و المثقفين والمحامين والحقوقيين المؤمنين، بالديمقراطية الحقة والمواطنة، والمساواة والعدالة الاجتماعية، وقيام دولة مدنية، مجتمع مدني، على حد تعبير غرامشي، «المجتمع المدني» احد مكونات البنية الفوقية.
نتطلع بان الوثائق الموجودة والتي تم تداولها في العديد من الاجتماعات واللقاءات بين ممثلي الجمعيات الوطنية الديمقراطية، على مدار عام قبل الانتخابات، بان تطرح في المؤتمر المزمع عقده إلى جانب الأوراق الجديدة، أخيراً، هل تنجز هذه المهمة الوطنية، أم من جديد تعرقل، ويبقى الرهان على حصان خاسر، ويصبح مشروعا مؤجلا.