تناقلت وكالات الأنباء والصحف خبر تفاصيل الحوار والوضع الأخير في الكويت وبيان مثقفي بلدان مجلس التعاون في قمة ابوظبي. الموضوعان مختلفان غير ان الظاهرة الثقافية والسياسية التي يسعى المثقف العربي ممارستها جديدة من حيث طبيعتها ومغزاها السياسي والفكري. وكان من الضروري توسيع النقاش إلى حلقة أوسع في المستقبل بحيث يمس إمكانية أن تقبل الأنظمة والسلطات المثقف كوسيط سياسي خارج المهمات الرسمية ويمثل وجه المجتمع المدني بكل شرائحه وفئاته. واستخدامه كبالون اختبار ورسول محبة وخير و بريد سياسي في زمن انتهاء عصر حمام الزاجل.
كان أجدر بنا الاستماع إلى أكثر من ذلك الحوار داخل أروقة الغرف المغلقة، حول العلاقة المزدوجة بين المثقف وسلطته ونظامه وقبول الطرفين بفكر مختلف ومواقف متباينة بين المثقف والسلطة. ويمنح المثقفين والنواب جميعهم حق الدفاع عن أنفسهم من جراء ما أصابهم من حيف بما فيها «طابور» المثقفين الذين عرفوا كيف يصطادون في الماء العكر في زمن الصراع والخلافات. وإذا ما سلمنا جدلا ان الطرفين ليس لهما علاقة بالتجاوزات المتنازعة والمتخاصمة فلماذا كل ذلك التشنج والتوتر المبالغ فيه من قبل جهات رسمية؟! إذ كان أجدر اتباع سياسة «الصمت أو المرونة» دون الحاجة للنفي ولا إلى فضيحة الضرب على القنوات الفضائية فالعملية الثانية من النفي تقود لنتائج معاكسة. وكأننا أمام هذا النوع من الاستنكار أمام مشروع توتير يبعث على التوجس في الشارع العام في نخبه وقاعدته. فالحديث في حوار الديوانيات والصحافة والاستنكارات المتعددة كان صريحا ومثاليا فاق الواقع الخليجي فاليوم الجميع يستعذب لغة «العولمة وحقوق الإنسان» والبعض مهموم بها وبتحدياتها وخصوصا نحن شعوب قادرة على معرفة ذاتها عند النكبات وشعوب قادرة على جلد ذاتها بعد النكبات. نبحث عن إصلاح البيوت من الداخل بدلا من الهروب ومواجهة الوقائع إلى حل سحري. حتى الآن لم نقرأ عن قبائل في التاريخ ولا دول معاصرة لم تدخل في علاقات من الشد والجذب والتوتر والاسترخاء، بين الابتسامات المعلنة والتآمر الخفي.
ولكن الدول الحقيقية لا تخلط الأوراق حتى في اشد ظروفها السياسية توترا بحيث تمنع المؤسسات المهنية والمدنية والثقافية والرياضية من ممارسة حقوقها بينما يقبل الجميع الجلوس في داخل الأروقة الممنوعة!!. لا نحتاج إلى إجابات ذكية إطلاقا فنحن العرب لا ننتحر عند الهزائم وان كنا نصرخ كثيرا عن أدب الفروسية.
حاولت أن اقنع نفسي إن مثقفي الخليج الذين ذهبوا إلى حوار ابوظبي سواء اختارتهم منظماتهم أو أعطيت لهم الأضواء الخافتة بالرضا بأنهم ليسوا مشاريع وزراء سابقين دخلوا تجربة الفشل السياسي وشخصيات ترسم مستقبلها كمشروع سياسي لمقاعد السلطة. شيء يكشط مساحيق الوجه، وشيء ينقب في ذاكرة الحرب والمأساة وضباب لندن والذهاب بعيدا إلى أقصى التطرف والمزايدة لكي تسهل عملية المساومة من اجل موقع جديد في المستقبل القريب.
لا أعرف لماذا يحاول المثقف العربي ارتداء ثوب الفضيلة في زمن السقوط ويسرق حق الإنسان والمواطن العادي في بلدان مجلس التعاون حق أن يقول كلمته فالإنسان العادي الأقرب وحده بحق الحديث عن همومه وتطلعاته. أنا كمواطن عربي لم يسألني احد ماذا أريد؟ وماذا ينبغي أن أكون؟ بحيث أقول كلمتي الحرة وامضي دون أن أصبح منبوذا من خيمة الدولة والقبيلة. كنت أتمنى أن الذين ذهبوا إلى الحوار تخلوا عن حالة التوتر العاطفي وأدان كل طرف بيته أولا دون أن يترك الكرة تتدحرج عند الملعب الآخر. مبادرات مشروعة وضرورية لمعالجة الذات من الغيبوبة المستمرة لروح الغطرسة القاتلة. فكل الأطراف الخليجية كانت في سلة واحدة وقفص واحد من الاتهام وان كانت درجة الخطيئة بين المتخاصمين متباينة فلا احد بريء من دم يوسف.
الأيام 2 يناير 2011