حتى الآن لم يُقدم مجلس النواب في تركيبته الجديدة أي انطباع مُحدد عن أدائه وخطط كتله الرئيسية، وهناك مؤشرات على أن أعضاء المجلس مازالوا يتلمسون الأرض من تحت أقدامهم، وتختبر كل كتلة نوايا بقية الكتل بتوجسٍ ليس خافياً، ورغم عبارات المجاملة التي نقرأها هنا وهناك، فان ما يرشح من أنباء يُشير في تعبير الى هذه التوجسات، مع دخول عناصر جديدة في المشهد النيابي الراهن، وتغير بعض المعادلات التي اعتادها نواب المجلس السابق.
وأصبح متكررا خلال الأيام القليلة الماضية أن نقرأ توضيحات من بعض النواب على تصريحات سبق أن أدلوا بها، تحمل قدراً من التراجع عن فحوى أو محتوى هذه التصريحات، ولا يقتصر الأمر على النواب الجدد وحدهم، وإنما يشمل أيضاً بعض الوجوه المُخضرمة، ممن أنفقوا في المجلس فصلاً تشريعياً أو فصلين، وبعضهم من الوجوه البارزة في المجلس السابق، ممن كان لهم فيه صولات وجولات.
وهو لدى هؤلاء ناجم، فيما يبدو، عن التشكيلة الجديدة للمجلس التي حملت معها الظاهرة التي صارت تعرف باسم النواب المستقلين، الذين مازال متعيناً عليهم أن يبرهنوا على تماسكهم ككتلة، وعلى التفافهم حول أجندة عمل مقنعة لدى ناخبيهم، لأن وعود الحملة الانتخابية ليست هي العمل البرلماني بكل ما فيه من تعقيدات، خاصة وانهم، في الغالب الأعم، أخذوا أماكن نواب سابقين يمثلون جمعيات سياسية، تملك رؤية معينة، بصرف النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع هذه الرؤية.
أنفق المجلس المدة المنقضية من تاريخ انتخابه في أمور إجرائية، كتشكيل مكتب المجلس ومن ثم تنظيم «المحاصصة « في رئاسة لجانه الدائمة، وما صاحب ذلك من مناورات وتفاهمات وكواليس، دون أن تفصح كُتلة عما تود أن تقوم به في دور الانعقاد الأول أو في الأدوار القادمة وسط تصريحات وتسريبات متناقضة، بينها ما مفاده أن النواب سيبتعدون عن طرح ما تُوصف بالملفات الساخنة في جلسات المجلس، وسيم الاستعاضة عن ذلك بتفاهمات خلفية مع راسمي القرار.
وعلينا أن ننتظر لنرى مدى صحة ذلك، وعن جدية وجود خطة عمل أو خارطة طريق لكل كتلة من كتل المجلس على حدة، وللمجلس برمته، أمام حقيقة أن الأنظار ستظل شاخصة نحو هذا المجلس، فالناس تريد معرفة ما في جعبة النواب بالتشكيلة الجديدة للمجلس التي، رغم تحفظاتنا حولها وحول آليات تشكلها، ألا أنها تضم مكونات رئيسية مؤثرة في حياة البلد، هي اليوم على محك تقديم رؤاها وبرامجها منفردة في غياب تمثيل القوى والمكونات الأخرى للمجتمع عن المجلس.
وفي كلمات، يمكن القول أن كُتل المجلس لم تُقدم حتى الآن ولو في صورة أولية أو خام، للمجتمع، وللرأي العام عامة بمن فيه المراقبين الإعلاميين والسياسيين، تصوراتها عما ترغب في أن تفعله في عام 2011 وما يليه من أعوام، لنرى إلى أي مقدار يتلاءم هذا التوجه مع حاجات البلد الجوهرية في هذه المرحلة والتي تنصب على محاور رئيسية تتصل بالنهوض بالأوضاع المعيشية للمواطن، ومواصلة تطوير البنية الأساسية والنهوض بالخدمات العامة ومواجهة الفساد والترهل في الأداء الإداري وتوسيع نطاق الحريات السياسية.