المنشور

ارتباك المثقفين وسط التحولات


فقدت الفئات الوسطى التعاون مع العاملين منذ نهايات السبعينيات، والأنظمة الرأسمالية العربية والإسلامية وصلت إلى العجز عن التطور، وكبار الكتاب العرب مثل نجيب محفوظ، غالي شكري، حنا مينا وغيرهم توقفوا عن نقد الأنظمة في أزمنة معينة.

العباءة التنويرية التحديثية التي طُرحت حركتْ الأجواء قليلاً ثم توقفت، فماذا بعد التنوير؟ وأي أنظمة مطروحة على جدول الأعمال التاريخي؟

الهجوم على الدينيين المحافظين مهم لكنه ليس كل شيء، وبدا واضحاً ان الأنظمة العربية الإسلامية في حالات متعددة من الأزمات.

حدث انهيار للوعي الطبقي بعد سقوط الأنظمة الرأسمالية الشمولية الشرقية، في حين واصلتْ مثيلاتها العربيات الزحفَ المتناقضَ المضطرب، وانضمام النظام الإيراني الديني إلى القائمة عقَّدَ التشكيلة الاستبدادية، وأضاف لها حركات طائفية وتداخلت الخطوط في مواقع عدة.

النظام المصري بحرياته المتعددة أتاح للثقافة التطور في مجالات عديدة، فنلاحظ أن الرواية والفيلم شهدا حفريات نقدية واسعة للواقع، وحين نقرأ روايات صنع الله إبراهيم أو حتى خيري شلبي التسجيلية سنجد هذه التعرية الواسعة للحياة وحياة الطبقة الغنية المسيطرة بدرجة خاصة، وهو أمرٌ لا يتحقق بمثل هذا الاتساع والعمق في أي دول عربية أخرى، حيث الرموز وأساليب التورية الغامضة والموضوعات الفردية المغرقة في انعزالها عن الصراع الطبقي.

ينبىء الواقع المصري بتداخل الطبقتين الكبريين في القمة وهما الرأسمالية الحكومية والخاصة الحرة، وعدم قدرة الطبقة الأولى على عرقلة تطور الحريات خاصة السياسية والفكرية والإبداعية، وهذا أفرز منهجيات تحليلية موضوعية في الثقافة، وبالتالي فإن منهجية نجيب محفوظ الترميزية والفلسفية التجريدية التي كان يتبعها في زمن النظام العسكري لم تعد نموذجية للكتاب، وهذا الكم من التعرية التي يقوم بها خيري شلبي وغيره والتي هي فيض كتابي للفنون الأخرى، غير ممكنة إلا في مجتمع أخذت قمته البرجوازية المتضادة تتقارب لتشكيل مجتمع ديمقراطي علماني.

في سوريا نجد المجتمع المقارب للمجتمع المصري والعاجز عن المقاربة الديمقراطية الثقافية، كيف تختنق الروايات والأفلام والمسلسلات في التاريخ والرموز والحالات الخاصة المفصولة عن الصراعات الكبرى.

بل على العكس انتشرت بين المثقفين أدوات التعبير والتفكير الماضوية، خاصة تلك التعبيرات التي تموه تغييبها للصراع من خلال مفردات الوطنية والقومية، وهو تعبيرٌ عن عدم قدرتِها على توسيع التحليلات وعن رؤية أزمات الرأسماليات الحكومية العربية الإسلامية العاجزة عن تغيير وضع الأغلبية الشعبية وإشراكها في الحداثة، مثل طرح مشكلات الأنظمة في أفلام تصور الأطفال المشردين ومآسي العشق الخاصة أو العقاب المتخلف البشع، ورغم أهميتها الإنسانية لكنها تعد عودة لموضوعات قديمة وهو أمر يعبر عن التدهور البالغ الذي جرى في ثورات الردة للوراء، وما حدث من نكوص في الوعي العربي.

في هيمنة أقسام ريفية محافظة أو عسكر متشدد تدهورت المفردات الإبداعية، وتحكمت ثقافة التسلية، وعاد الناشئون لموضوعات الخمسينيات التي عفى عليها الزمن، وانتشرت الموضات تعويضاً عن عجز في تحليل الحياة ومتابعة تحولاتها الغريبة والمفجعة.

وغدت الليبرالية من دون اشتراكية أو من دون رؤى طبقية تقرأ طبيعة الرأسماليات المختلفة وصراعاتها ودرجات تطورها، والدرجة المناسبة لهذا المجتمع أو ذاك، وكيف تجاوز الأنماط المتخلفة نحو النموذج الديمقراطي.

 
أخبار الخليج 28 ديسمبر 2010