قبل اسبوعين نظمت مجموعة من الفنانين التشكيليين معرضهم الجماعي الرابع في صالة جمعية البحرين للفن المعاصر، والمعرض كان عنوانه أو شعاره «السجنجل» وتعني كما بينها القائمون على المعرض «المرآة» وهي كلمة رومية الاصل تم تعريبها، وقد وردت هذه الكلمة في الشعر الجاهلي القديم وتحديداً في معلقة الشاعر امرؤ القيس واحتوى على لوحات تعبر عن واقع اللغة العربية في حياتنا اليومية أي مادتها «اللغة» وجميع هذه اللوحات تعد مساحة واسعة للتأمل وخاصة ان هذه «اللغة» وفق منظورهم أو حسب وجهة نظرهم التي سلطت اللوحات الضوء عليها لا تشير فقط الى اللغة بوصفها نظاما من الرموز التعاقدية اتفق عليها مجموعة من البشر لتسهيل عملية التواصل والتخاطب والتفاهم فيما بينهم، وإنما تشير أيضا إلى اللغة والهوية والثقافات، ليس من باب التعصب القومي والتطرف كما يفعل بعض القوميين والجماعات الاسلاموية بغرض إلغاء الآخر، وإنما من إشكالية تهميش اللغة العربية في ظل تأثيرات العولمة الاقتصادية والثقافية والتكنولوجيا وثورة الاتصالات ووسائل النشر والإعلام بجميع أشكالها وأنماط الحياة الاستهلاكية المتعددة والتحديث «المادي» في مجتمعاتنا مما ساهم بشكل أو بآخر في إضعاف اللغة العربية وتغريب الإنسان عن هويته وتحديداً في الدول الخليجية التي أصبح معظم شعوبها أقلية في بلدانها.
وحول هذه المسألة ذكر النص المدون في «السي دي» الخاص بالمعرض «يراد لهذه الأقلية أن «ترضخ» لأهداف – سياسية واقتصادية وعقائدية وثقافية – وتقبل بإعادة تشكيل ذواتها لتتناسب مع مشروع تحويل منطقة الخليج العربي الى منطقة «كوزموبوليتانية» متعددة الثقافات والهويات واللغات والجنسيات يكون حضور اللغة والثقافة العربية فيها هامشياً أمام تزايد حضور اللغات والهويات والثقافات الأخرى على أرضها مما يجعل شعوب هذه المنطقة في حالة من الحيرة مع ذاتهم ومع الآخر، ولا ندري لأي الخيارات عليها ان تتجه، هل لخيار المواجهة للدفاع عن هويتها بطريقة مشروعة وغير مشروعة؟ أم خيار قبول الانخراط والتكيف مع هذه التحولات والخضوع لها بشكل تام؟ أم عبر محاولات إيجاد صيغة توافقية «صعبة معقدة» ستؤدي حتماً الى وقوع الانسان في حالة من التناقضات عبر الجمع بين اتجاهات متضادة ومتعارضة؟!
ومن هنا، فاذا كان الفنان المبدع أنس الشيخ «دينمو» هذه الاحتفالية الفنية يعبر في لوحته «عديم الفائدة» أو «USELESS» عن مخاوف كثيرة قد تفتح الباب امام مبررات تؤدي الى تهميش اللغة والى تغريب الانسان عن بيئته وهويته ومعتقده وتاريخه وثقافته وهو ما عبَّر عنه بدلالات رمزية تتمثل في «مكنسة» كهربائية تشفط أو تكنس مفردات اللغة فان مخاوف علي محمد تتمثل ليس في اللغة المكتوبة، وانما في المحكية التي وقعت تحت تأثيرات اللغة الفارسية والانجليزية والهندية، ومن هنا يقول للاسف احتلت اللغات الاجنبية عقولنا قبل ألسنتنا واصبحت متداولة في مدارسنا وشارعنا وحتى في بيوتنا، ومنا من يخجل من التحدث باللغة العربية معتبراً اللغات الاجنبية هي الثقافة، اما بالنسبة لعمله الفني الذي يجسد هذه المخاوف وهي إدخال مفردات لغات اجنبية على لغتنا المحكية فهو عبارة عن برميل نفط فارع كتب عليه مفردات اجنبية مثل «دكتور، سي يو، باي» وعن هذا البرميل يقول: برميل النفط يستخرج من ارضنا فلم ننعم بسعر بيعه فكل حصيلتنا من هذا النفط برميل فارغ يتم استخدامه للمساعدة على قضاء حاجاتنا الوقتية والمكانية، والكلمات المحفورة عليه لا تعبر عن حالة استعارة من اللغات الاخرى، ولا تعبر عن مفردات غير موجودة في لغتنا، وانما هي نتاج تأثيرات لغوية دخيلة على لغتنا المحكية حدثت إبان مرحلة الاستعمار.
في حين يعتبر علي القميش الجدار هو اول درس في التعبير، ونلاحظ هنا ان القميش، يؤكد على ان الكتابة على الجدران تمثل كما يقول نصًا فاغراً من السرد المفتوح والمكتنز أي مكتنز بحكايات واسرار كل من مروا بتلك الجدران، ويقول ايضا ان اللافت في الامر بأن اللغة والثقافة التي تحملها الجدران حروفًا ورسومًا وخربشات تختلف باختلاف الثقافات في الشكل والاسلوب، لكن لغتها واحدة تتقصد في أحايين كثيرة عن حالات «الحب»، «الكراهية»، «الفضح»، «التعرية»، «العنف»، «الوحشية»، «الانقلاب» ويفسر ذلك بالانقلاب على السائد من الأفكار الاجتماعية والسياسية وحتى الشخصية منها لتنتهي الفكرة بان اللغة التي تسكن بداخلنا لابد لها ان تعبر عن نفسها بطريقة ما.
على أية حال، قد نختلف أو نتفق مع كل المبررات والمخاوف التي اطلقها «السجنجل» فيما يتعلق بتهميش اللغة العربية ومع ذلك انه من الطبيعي جداً أن هذه اللغة أو أية لغة أخرى سواء كانت مكتوبة أو مقروءة أو محكية حتمًا ستتأثر في ظل التواصل الكوني بفعل العولمة، ولا يعني ذلك ان كل التأثيرات التي طرأت عليها بالضرورة سلبية.