أهرام مصر مثال للبذخ الشرقي، لجر العاملين لتكوين مبان أسطورية، من أجل وضع جثة كائن متضخم النفس داخلها.
يتكون البذخ الشرقي الأسطوري من كائناتٍ سياسية توهمتْ الاتحاد مع المطلق، وهو مطلق السرقة، لا مطلق الإله، مطلق أن يفعلوا ما يشاؤون ويهدروا الثروات، في أي لفتةٍ مفاجئة يأمرُ بها المتضخمُ الذات.
كيف يحق له أن يقررَ المشروعات ويأمر ببناء أبراج بابل وحشود المباني والقصور على الرمال وعلى الجزر وعلى المياه؟
ربما أن الجزر في الخرائط الكونية تريدُ أن يُشار لها بالبنان وبالفضائيات وبالحملات الإعلانية وبالمهرجانات الغنائية رغم أنها بحجم الأقمار والشموس.
كل شيء في البذخ هو ثقبٌ أسود يبتلعُ الثروات الوطنية، فالمتصرف له الكبريت والماس والفوسفات والغاز والأكسجين ودخل القنوات وضرائب السياحة، ويقرر ترحيل المليارات لأوروبا الغنية وأمريكا الصديقة، وإيجاد القنوات الفضائية المشوشة الهادرة للأموال، ليظهر النجم الشرقي عالياً يدخل كل بيت في الأرض.
كل المشروعات الأسطورية لتظهر ذاته، التي كلما أكلت الذهب والفضة أحستْ بالجوع أكثر وأكثر، حتى تأتي على المواد الثمينة وتجعل الماس ترابا ، وقوة الرياح عواصف.
وتظهر المشروعاتُ الخرافيةُ على أعمدة أمية، وجاهلة ثقافية، وربما كان الفرعون العتيق أكثر ثقافةً وأكثر رهافةً فهو المتعلم الذي يجلبُ المثقفين والعلماء ويصغي إليهم ليل نهار، وهو في جنونه أرحم من الشرقي الراهن، فقد تصور أنه جزء من الألوهة ومن دونه تنخسفُ الأرضُ بشعبه، وهم بحاجة إلى عبقريته الفذة أبد الدهر، وفكر في الأهرام كثيراً وجعلها تحفاً تحاكي عبقرية الطبيعة، وسيطرَ في هندستها على الإشعاعات والمدارات الكونية، فقدم كتباً علميةً منقوشةً على الحجر، وصنعَ من المادة التافهة الوفيرة ثروة عظمى على مدى الدهر.
الشرقي الراهن لا يدري بالعلماء الذين يقربهم ويحاورهم الفرعون، الذي جعل شعبه متحضراً على مدى عشرات القرون، وملأ بالذهب والفضة والماس والنظريات جوفَ الأرض، وحول القبور إلى حياة، فتقدر مصر أن تعيش بالآثار وثرواتها لولا الفساد!
الشرقي الراهن تخصص في إهدار الثروات الزائلة، ثروات الطاقة وبعض الكائنات الحية التي بقيت من المجاعة والفقر والهجمات الحربية والاقتصادية الأجنبية.
ثمة فرق كبير بين الفرعون الزراعي وكائن الصحراء، هذا الأخير تخصص في إهدار الثروات، وجعل حصى الآثار أثافا لقدوره، والصحارى ملاعب، وثروات البحار الطبيعية مسارح.
لو انه ينادم علماء الطبيعة والكيمياء والاجتماع، ويقرأ سيرَ أسلافهِ وكيف أهدروا المناجمَ وحولوا الجبالَ لقصورٍ فجاءت الأعاصيرُ الطبيعية والاجتماعية، وعادتْ الأمبراطورياتُ الملأى بالثرواتِ لتتسولَ الطعامَ على قارعة الطرق العالمية، وتبعثَ بفلذات أكبادِها لتعملَ خدماً ومهرجين وشحاذين في الغرب والشرق المتقدم، أو تغرقهم على شواطئ استراليا والفلبين وأسبانيا وجزر المالديف.
لو أنه..!
لكنه مشغول بعظائم الأمور، بالقضاء المبرم على الثروات وتحويلها إلى سباقات الجياد، وإلا لما كانت شوارع قراه تخلو من المصابيح في بلد الثروة وفنانو وكتاب شعوبه يبيعون كتبهم القديمة على نواصي الشوارع.
لا مصر ورثت مجد الفراعنة ولا البلدان العربية الأخرى انتجت حصافة البدوي المتحضر الحكيم، إلا من بعض الحكام النادرين الذين طوروا بلدانهم واستغنوا لحسن الحظ عن الأحزاب(الثورية) وانتهازييها وفوضوييها.
الأغلبية الكاسحة تقدم نماذج يرثى لها، ارستقراطية باذخة وحولها مبان عملاقة وثراء لا محدود وعامة ناقعة في الفقر وعيشها صعب منهك.
أملنا في بعض هؤلاء الحكام المتنورين بعد أن قطعنا الأمل في الأحزاب وشلل الانتهازية بأن يقاربوا نماذج الملوك والرؤساء العظام الذين نهضهوا بالغرب واليابان والهند وغيرها، وعاشروا الفلاسفة والمفكرين والعلماء، ولم يكرسوا حكم التسليات، والذين نهضوا بالفنون والعلوم ولم يحولوا الموارد النادرة إلى المتع العابرة وحدها.
صحيفة اخبار الخليج
22 ديسمبر 2010