المنشور

دور الدولة في حقولها الأساسية

يدخل الموقف من مسألة رفع الدعم الحكومي عن المحروقات وسواها من سلع ضرورية، الذي يدور عنه الحديث في البحرين في الفترة الأخيرة، في بند التزامات الدولة تجاه المواطنين.
وكانت الإشارات التي أعلنت عنها جهات حكومية حول هذا الموضوع، قد أثارت جدلاً واسعاً، بين رفض شعبي واسع، مفهوم ومبرر، لهذا التوجه، وبين تبريرات أو تسويغات «اقتصادية» لهذا التوجه، عنوانه إعادة توجيه الدعم حتى لا تتحول الدولة إلى بقرة حلوب تقدم من المال العام دعماً لمن هم ليسوا في حاجة إليه.
لا يمكن النظر إلى مسألة رفع الدعم هذه بمعزل عن فلسفة اقتصادية رائجة، على المستوى العالمي، تريد أن «تُحرر» الدولة من الالتزامات الاجتماعية الملقاة على عاتقها تجاه المجتمع، وخاصة تجاه الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل.
وحان الوقت لمراجعة الموقف المتطرف الذي أخضع الدولة، للنقد الذي بلغ حد المطالبة بإقصاء دورها، أو في أحسن الحالات، الحد منه إلى أبعد مدى، عندما استشرت أطروحات فعالية اقتصاد السوق والمبادرة الفردية والدور السحري للخصخصة.
ورغم أن بيروقراطية الدولة وبطء أدائها كانا موضوعاً للتهكم والنقد والسخرية منذ زمن بعيد، لكننا عشنا وطراً قريباً ازدهرت فيه المطالبة بإبعاد الدولة عن دورها الموجِه كليةً.
الغريب أن الحديث لم يدر عن السطوة السياسية للدولة واختراقها للمجتمع المدني ومؤسساته، لا بل تغييب هذه المؤسسات ومصادرة أي دور مستقل لها.
إن الأمر حصرا تركز في الحقل الاقتصادي، وحول الخدمات الاجتماعية الضرورية التي تقدمها الدولة لأبنائها في حقول الرعاية الأساسية من تعليم وتطبيب وضمان اجتماعي وخدمات ثقافية وإعانات مختلفة.
وإذا ما تجاوز المرء اليوتوبيا التي صاغتها فلسفة القرن التاسع عشر عن اضمحلال محتمل لدور الدولة، فعلينا التسليم بأن الدولة، من حيث هي دور اجتماعي تشكل أحد أهم الانجازات المهمة في التاريخ البشري، لأن تلك اليوتوبيا حين تنبأت باضمحلال دور الدولة إنما كانت تراهن على قيام عدالة اجتماعية حقيقية تنفي الحاجة إلى وجود الناظم القانوني والإداري للتمييز بين الطبقات.
لكن ما يميز دعوات مناهضة دور الدولة في التنظير الراهن هو مصادرة مسؤولياتها كهيئة رعاية اجتماعية، في مقابل التأكيد على دورها النقيض لدور المجتمع الذي يفترض التعددية السياسية والاجتماعية، ويصبح بموازاة الدولة ضامنا للتطور الصحي للمجتمعات.
ربما وجب التفريق الواضح بين تلك المجالات التي يتعين على الدولة أن تفسح فيها المجال لدور أكبر للمبادرة الفردية، ولدور أكثر فعالية لمؤسسات المجتمع المدني وهيئاته وشخصياته، خاصةً في الدول النامية.
هنا تبدو الدولة هي المؤسسة الأكثر جبروتاً، وقد تكون الوحيدة في بعض الحالات، حين تنجح في احتواء التكوينات التقليدية السابقة لها، وتجعلها جزءا منها، وتتحول إلى ناطقٍ باسمها، ولكن بلغة عصرية، وبين تلك المجالات التي على الدولة أن تتمسك فيها بالدور المناط بها، ونعني بذلك مجالات الخدمة الاجتماعية، خاصة في الحقول الحيوية كالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والثقافية.
يجب إعادة الاعتبار لدور الدولة كمُصحح للفوارق الاجتماعية، وذات مسؤوليات تجاه قضايا مستجدة كالبيئة وإدارة الموارد الطبيعية، وكضامنٍ للتماسك الاجتماعي.
 
صحيفة الايام
22 ديسمبر 2010