في الخطاب السامي الذي دشن به جلالة الملك حفظه الله الفصل التشريعي الثالث للمجلس الوطني في الرابع عشر من شهر ديسمبر الجاري، نستطيع أن نلحظ في مفاصل متعددة منه الحرص على توجيه دفة العمل الوطني خلال الفترة القادمة ربما باتجاه أكثر تركيزا على مجالات باتت تحتاجها مسيرة التنمية والازدهار الاقتصادي بصورة أكبر، وقد كان الخطاب موجها بالدرجة الأولى لممثلي الشعب باعتبارهم ممثلين للوطن والمواطنين وليس لطوائفهم وفئاتهم وهذا امر غاية في الأهمية، وهو الدرس الأول الذي يجب أن يتعلمه ويعمل به من اختيروا لتمثيل الناس للمرة الأولى وهو قبل ذلك يجب ان يقرع أجراس الوعي لدى بعض ممن حاولوا جاهدين ان يزايدوا على طائفيتهم ونصبوا أنفسهم مدافعين اشاوس عنها حيث انشغلوا وأشغلوا الرأي العام بمماحكات بائسة ساهمت كثيرا في حرف بوصلة العمل الوطني وأساءت للبحرين وابنائها.
فقد أكد خطاب جلالة الملك على ما ينتظر ممثلي الشعب من واجبات ومهمات كثيرة سواء في مجال تطوير القوانين وسن التشريعات او في مجال إقرار الحقوق وحماية الحريات، أو مجال الرقابة على الأداء الحكومي وإصلاح الأوضاع وخاصة المعيشية منها، أو مجال التنمية الاقتصادية وغيرها من المجالات، حيث استشعر الخطاب حجم واهمية تلك المهمات التي لن تكون سهلة وميسورة، وهي لذلك تحتاج الى تعاون وتكاتف المجلسين مع الحكومة، مذكراً النواب بما ينتظر منهم خلال المرحلة القادمة وهي مرحلة تعج بالتحديات.
وفي إشارة الى الحاجة لإجراء بعض المراجعات المطلوبة حيال بعض اوجه العمل الوطني اشار جلالته الى ما تحقق من انجازات تنموية فرضت ضرورة مراجعة الخطة الاستراتيجية الاقتصادية 2030 والسياسات المالية للدولة، ومراجعة المصروفات بغية استعادة التوازن في الميزانية العامة للدولة في اقرب مدى زمني ممكن مذكرا بحالة الاقتصاد العالمي وتداعياته على مجمل الهياكل الاقتصادية العالمية، وهي خطوة جديرة بالتوقف عندها ملياً من قبل من يعنيهم الأمر سواء كانوا في الحكومة أو في مجلسي النواب والشورى، حيث اثبتت التجربة أهمية مراجعة السياسة المالية للدولة والتي لم تتماشَ كما اعتقد مع مستجدات الوضع الاقتصادي العالمي بما فيه الكفاية وإن بدت متحفظة بعض الشيء وهذا امر يحسب لها، الا اننا لا نجد مبررا موضوعيا يستدعي مثلا زيادة الدين العام حين كانت الموازنات العامة السابقة تحقق فوائض، وفي ظل أسعار النفط الحالية الجيدة بالقياس ببداية الأزمة المالية، وتبقى المراجعة أمراً في غاية الأهمية شريطة ان لا ينعكس ذلك على المستوى المعيشي للمواطنين الذين هم في واقع الحال يتطلعون الى تحسين اوضاعهم المعيشية، حيث تبدو الاشارات التي ابدتها الحكومة حيال التوجه لرفع الدعم عن بعض السلع الاساسية ومنها البنزين محل تناقض في ظل الدعوة لتحسين الأوضاع المعيشية وعلى الحكومة ومجلسي النواب والشورى ان يبحثوا عن بدائل اخرى وهي متاحة، وتتسق مع الدعوة لتقليص المصروفات الحكومية بحيث لا تقترب من مداخيل الناس وإنما تتجه لوجوه صرف وربما نقول بذخ غير مبررة.
أما بالنسبة لمراجعة الخطة الاقتصادية فنُذكر بحالة الاقتصاد الوطني في الوقت الحاضر وما أحدثته الأزمة الاقتصادية العالمية من إعاقات واضحة لمسار الخطة، والتي كانت تتوجه لزيادة الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة والتركيز على مسارات اقتصادية محددة، ويمكن الرجوع الى بعض مطالبات القطاع الخاص المستمرة في هذا الشأن، وهو أمر لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه ونعتقد أنه بشيء من التفاهم مع القطاع الخاص يمكن التوصل الى حلول مقبولة من الطرفين وهي ليست متعذرة، خاصة وان التجربة أثبتت الحاجة لخلق شراكة حقيقية مع القطاع الخاص وضرورة العمل وفق منهجية واضحة وتوجهات لا تستسلم للبيروقراطية الرسمية، كذلك يمكن القول إنه بامكان الحكومة أن تمضي قدما في مشروع تنظيم سوق العمل وزيادة برامج التدريب وإيجاد فرص عمل للعاطلين حيث نجحت الحكومة في تحجيم قضية البطالة الى حد كبير واشاعت بذلك حالة من الاستقرار عبر مزيد من الضبط وضخ السيولة المطلوبة لبرامج التدريب والتمكين لأبناء وبنات البحرين وهو امر لم يكن ممكنا من قبل بهذه الصورة، الا أن مآخذ القطاع الخاص بهذا الخصوص يجب عدم اهمالها أو تجاوزها ولابد من خلق حالة من التواصل يستشعر معها القطاع الخاص اهميته في دفع عجلة التنمية.
كما كانت هناك اشارات واضحة لتوجهات الدولة القادمة حيال تطوير التعليم، وايضا حيال مسألة غاية في الأهمية ومطلب شعبي تبنته القوى السياسية جميعها دون استثناء تقريبا وهو المختص بالدعوة لمراجعة سياسة التجنيس ووضع معايير واضحة تأخذ مسألة الانتماء والمواطنة والهوية الوطنية البحرينية في الحسبان، علاوة على احترام القانون بحيث يكون التجنيس في اضيق الحدود، وهو مطلب طالما نادت به قوى المعارضة السياسية وحان الوقت لتفعيل توجهات جلالة الملك التي يُنتظر أن تشيع حالة من الارتياح والثقة خلال الفترة القليلة القادمة، وحتى نتجه جميعا حكومة وشعبا لضبط ومعالجة هذا الملف الذي بسببه انشغلت البحرين عن الكثير من قضاياها الاساسية.
أمامنا خارطة طريق ومسيرة عمل علينا أن نجعلها حافلة خلال المرحلة القادمة، وعلينا ان نسهم كل من موقعه في بلورة جهد وطني حقيقي يرفض ان يراوح في ذات المكان، فالتحديات أمامنا كبيرة ومسيرة التحول الديمقراطي تحتاجنا جميعا.
صحيفة الايام
22 ديسمبر 2010