المنشور

الدين والفضائيات

كتب د. احمد محمد صالح في مقدمة مقالته التي نشرها في مجلة الهلال الصادرة في مطلع هذا الشهر منذ عدة اسابيع عن صدور قرار مصري بإغلاق اثنتي عشرة قناة تلفزيونية وانذار عشرين قناة أخرى لإخلالها بشروط التقاعد ولإعادة تنظيم أوضاعها في ظل الفوضى الاعلامية في الفضائيات الناطقة بالعربية، واصبح بعضها باسم اشخاص واحزاب وطوائف ومذاهب دينية وقدرها البعض بـ 54 قناة مصرية حكومية تبث عبر القمر الصناعي نايل سات وقنوات خاصة تعدى عددها 31 قناة.
وفي تقديرات اخرى تجاوزت القنوات الفضائية الدينية في بلاد العرب 40 قناة وهي ظاهرة عربية خالصة.
لماذا كل هذه الفضائيات الدينية؟ قد نجد الاجابة واضحة على هذا السؤال وخاصة ان غالبية هذه الفضائيات تستهدف بوضوح تمزيق نسيج المواطنة ليس في مصر وحدها وانما في البلاد العربية قاطبة تحت ستار الدين, وبالإضافة إلى ذلك ان هذه الفضائيات تروج للشعوذة والخرافة والتطرف والعنف ونشر الأكاذيب والتخلف الفكري.
وفي تصور د. سيار الجمل ان هذه الفضائيات تساهم في تأخر الوعي وتعمل على جر تفكيرنا الى الوراء قسراً وانها تزرع الفساد الفكري وإشاعة الدجل والخرافة والشعوذة وإشعال المشاعر المضادة للحقائق العقلانية والواقعية، دراسات كثيرة تناولت علاقة الدين بالفضائيات ومن بين هذه الدراسات تلك التي تعتقد, بالإضافة إلى نشر ثقافة العنف ان وسائل الاعلام الالكتروني كالفضائيات تخلق وتسعى إلى إرضاء وإشباع السوق التجاري الاعلامي وبالتالي فالفضائيات الدينية أشبه بالأسواق وتحديداً بأسواق البضائع المستعملة وان الاسر العربية عندما تستقبل التشكيلة المتنوعة من الفضائيات الدينية يلعب أفراد الاسرة دور حارس البوابة لحماية الفضائية المفضلة لديهم وان البيوت اليوم اصبح بداخلها تنوع واسع من الرموز والخدمات لها شكل ومعنى ديني مباشر وظاهر واحياناً مستتر ولنا ان ننظر حولنا سيولاً من الكتب واشرطة الكاسيت والأناشيد والاسطوانات المدمجة وبرامج الكمبيوتر وبرامج الفيديو التي تسوق الدين غير العاب الاطفال والملابس ومستلزمات الحجاب والحج والعمرة ومستلزمات الموالد والمهرجانات والاحتفالات والاعياد الدينية والسلع المنزلية وبطاقات بريدية وايقونات كلها محملة برموز دينية للتسويق.
وحول السلطة الدينية والاعلام الالكتروني يقول «صالح» ان وسائل الاعلام التي يتم في سياقها الخطاب الديني تمثل مصدر المعلومات حول الأديان وفي عصر الانترنت لم يستطع أي دين السيطرة على قصصه ورموزه وبمعنى آخر اليوم القيادات الدينية من كافة الأديان لا تستطيع السيطرة على أي انتهاك للرموز الدينية التي يمتلئ بها الانترنت والفضائيات وبقية وسائل الاعلام ولا يستطيع احد ان يسيطر على الاخبار والموضوعات التي تغطيها تلك الوسائل وفي ظل الممارسات الاعلامية الفورية البصرية تعلمت السلطات الدينية في كافة الأديان ان الموضوع ليس فقط التحكم والسيطرة على قصصهم ورموزهم الدينية بل لم يعد في امكانهم الاحتفاظ بأسرارهم الخاصة تحديداً اسرار الانحرافات والفساد في المؤسسات الدينية!!
وفي موضع آخر, يتساءل «صالح» ماذا يريدون من الفضائيات؟؟ يقول الدراسات تقول انهم يريدون الانتشار والشهرة والاعلام والإعلان عنهم كدعاة وموجهين للبشر يريدون ايضاً تأكيد شرعيتهم ويطمعون من الفضائيات تسهيل وتفعيل عملياتهم في الدعوة والتبشير وعلى ذلك ليس من الصعوبة فهم العلاقة المضطربة والملتبسة في اغلب الاحيان بين المؤسسات الدينية والفضائيات فالمؤسسات الدينية تريد من الفضائيات ان تبث رسائل ايجابية عنها دائماً وفي نفس الوقت تريد المؤسسات الدينية ان تكون عاملاً مؤثراً وموجهاً على الفضائيات طول الوقت، حقا كما يقول معادلة صعبة، والسؤال الآخر الذي يطرحه صاحب المقال هل غلق هذه القنوات ولفت نظر البعض الآخر هو الحل لتلك الفوضى الاعلامية في الفضائيات العربية عموماً والفضائيات الدينية على وجه الخصوص؟؟
البعض يرى ضرورة التدخل لتنظيم البث وتطبيق ميثاق الشرف الاعلامي والبعض الآخر يعارض ذلك ويعده ضربة قوية لهامش الحرية وآخرون يزعمون بضرورة إنشاء مجلس أو مؤسسة لمراقبة اداء المرئي والمطبوع والمقروء وتقويمه إذا انحرف عن المسار الصحيح، في رأيهم هو تقديم حقائق تفرض نفسها على العقل ولكن الصحيح كما يزعم ان الفضائيات مثل أي تكنولوجيا مجرد أداة توظيف طبقاً للغرض المستهدف من هذا المنظور. ان تأثير الفضائيات على المجتمع سيعتمد على خصائص هذا المجتمع في كيفية توظيفها، فخصائص المجتمع نفسه على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وقبل ذلك خصائصه السياسية هي التي تعيد تشكيل الفضائيات بما يتوافق مع شروط المجتمع، ومع ذلك نقول تبقى كل الفضائيات الدينية التي تبث سموم الفرقة في المجتمعات العربية وغير العربية وتنشر ثقافة الإرهاب وتروج للطائفية والمذهبية فضائيات تتعارض مع مبدأ التعايش السلمي واحترام الآخر والتسامح والتقدم والعصر والحياة.
 
صحيفة الايام
18 ديسمبر 2010