كنت في الكويت في نهاية الأسبوع الماضي، حيث كان الوضع السياسي في واحدة من لحظات توتره الكبرى، حيث لم يألف الكويتيون هذا النوع من المواجهات التي جرت هناك، حين فضت قوات الأمن ندوة أقيمت في إحدى الديوانيات، على خلفية أزمة نشأت في مجلس الأمة، ناجمة عن طلب رفع الحصانة عن أحد النواب، في أمر يتصل بمداخلة قدمها في إحدى جلسات المجلس، وهو أمر اعتبرته غالبية الكتل البرلمانية سابقة غير محمودة، لا بل ومؤاخذة دستورية، لأن الدستور ينص على عدم مساءلة النائب عن أي رأي يطرحه تحت قبة مجلس الأمة.
في كل مرة يصل فيها التجاذب السياسي في دولة الكويت الشقيقة إلى درجة الشد، الذي ينذر بانقطاع الخيوط الواصلة بين فرقاء العملية السياسية في البلد، ينتابنا ذلك الإحساس المبرر بالخوف على الكويت وتجربتها الديمقراطية، التي هي محط كل التقدير من شعوب المنطقة، وخاصة من قواها المعنية بمسألة الشراكة السياسية والبناء الديمقراطي.
مصدر هذا الإحساس هو إدراكنا العميق لما تمثله تجربة الكويت السياسية من أهمية في مسار التطور السياسي في بلدان الخليج العربي، وفي تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفي هذا يعود الفضل إلى ما تميزت به الكويت من ريادة في مجال الوعي السياسي، ومن استعداد الحكم هناك للتفاعل مع هذا الوعي بإيجاد آلية المشاركة السياسية.
ليس في الكويت وحدها، وإنما لدى النخب السياسية والاجتماعية في بلدان الخليج الأخرى يجري النظر بتقدير كبير للنظرة التاريخية الثاقبة للشيخ عبدالله السالم الذي استحق عن جدارة مسمى «أبوالدستور الكويتي»، كونه أدرك الحاجة إلى تنظيم العلاقة، دستورياً، بين الأسرة الحاكمة، والدولة عامة، وبين المجتمع من خلال تقاسم السلطة بين الطرفين، بما يؤمن استقرار البلد والمجتمع وتحقيق التنمية.
ومن يعود لتاريخ الكويت الحديث يعرف أن هذه الشراكة أمَّنت للكويت فترة ذهبية من التطور السياسي والاجتماعي والثقافي، جعل منها منارة للحرية في المنطقة، وساحة تفاعل حيوي للأفكار الوطنية والقومية.
صحيح أن الأمور لم تسر دائماً بالسلاسة المتوخاة تحت ضغط التحديات المتعددة، والبعض منها آت من الخارج، لكن الكويت رغم التعثرات اجتازت مخاطر العودة عن الحياة الدستورية، التي باتت بالنسبة لأهل الكويت خياراً لا يمكن أن يحيدوا عنها، بل إنهم وجدوا فيها صمام أمان بوجه التحديات الكثيرة التي عصفت ببلدهم وبالمنطقة.
تجربة الكويت الديمقراطية هي اليوم أمام تحدٍ آخر جراء التطورات المؤسفة التي شهدتها خلال الأيام الماضية، نجم عنها مناخ سلبي من الشكوك وعدم الثقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهي تطورات تُقلقنا جميعاً، نحن الذين نحب الكويت وأهلها، ونرى في استقرار بلدهم السياسي شرطاً من شروط استقرار المنطقة.
لذا نشاطر كل الحريصين على الكويت الرغبة في أن يُغلب فرقاء العمل السياسي، في الدولة والمجتمع على حدٍ سواء، نداء العقل والحكمة، ويصلوا إلى مخرج ينطلق من ثوابت البلد الدستورية ومقتضيات وحدتها الوطنية وتماسك نسيجها الأهلي، ويهيئ لها أسباب المضي في طريق التنمية.
صحيفة الايام
14 ديسمبر 2010