في الشهرين الماضيين شهدنا تعديلاً وزارياً ترقبناه طويلاً.. أمراً ملكياً بتعيين مجلس الشورى، وتشكيلة جديدة للمجلس الأعلى للمرأة ، وأبسط ما توصف بها تلك التغييرات ” الجديدة” بأنها ” ليست جديدة” ومخيبة للآمال على أكثر من مستوى وصعيد.. طابور من الوجوه المكررة المستهلكة التي تشغرُ أكثر من موقع قيادي واستشاري في الدولة ومجالس إدارات المؤسسات التابعة لها، وجوهٌ تحاصرنا في كلّ مكانٍ ولم يبق إلا أن توضع صورها على قناني المياه وكأن البلد خلت ” إلا من هالولد”..!!
والحق أن للتشبث بهذه الوجوه بهذه الطريقة ثلاثة تفسيرات منطقية لا يهجع احتجاج العقل إلا في حضرتها :
فأما أن هؤلاء هم الخيار الوحيد المتوفر في البلاد لأن الله ” خلقهم ثم كسر القالب” كما يقال – أو- أن هناك خيارات بديلة ولكن هؤلاء هم الأبرع والأكثر ألمعية وموثوقية في مجالاتهم وبالتالي ويُخشى على العمل أن يتداعى وينهار إن تغيّروا.. أما الخيار الثالث، وهو خيالي ومستبعد، فهو أن التعيينات مبنية على الولاءات والمصالح السياسية وفلان أبن من، وهذا صهر من ، وهذه زوجة من ، وهو فرضيةٌ خياليةٌ مستحيلة كما أسلفنا ،،
*****
بالنسبة للوزراء.. هل أعيد توزيرهم لأنهم قدموا إبّان عملهم انجازات خارقة مثلاً استدعت الاحتفاظ بهم رغم وجود بدائل جديدة قد تفوقهم في القدرات والإمكانيات ؟ هل أعيد توزيرهم لأنهم بدؤوا في خطط ومشاريع متقدمة يُخشى عليها أن تضيع بعدهم ؟ هل تلمسوا مثلاً تطورا ملموساً في وزارتهم إبان توليها لهم – ونحن لا نتحدث هنا عن الفرقعات الإعلامية- بل عن تطور أشاد به المواطن العادي ؟!
هناك كفاءات بين الوزراء – ولا ريب- ولكن بينهم أيضاً شخصيات ” منتهية الصلاحية” أثبتت فشلها وعجزها عن إدارة وزارتها.. وما نسبته صحيفة ” البلاد” لديوان الرقابة المالية كان فضيحة بكل المستويات لا ندري كيف مرت دون طبل وزمر.. فتخلف الوزارات عن تنفيذ المشاريع المدرجة في جداول الحكومة وبالتالي عدم صرفها للمبالغ المرصودة لتلك المشاريع خبرٌ مهم ينفي خرافة ” نقص الميزانية” التي حولها الوزراء لقميص عثمان. فالإسكان لم تصرف فلساً من 400 مليون وضعت تحت تصرفها رغم أن البلد تغلي بسبب الأزمة الإسكانية.. وكان لدى وزارة الصحة 17.5 مليون دينار لم تصرفها ولو لإنقاذ أرواح مرضى السيكلر الذين يتساقطون تباعاً ! وما يُقال عن هؤلاء يقال عن سواهم إلا أن العتب على الوزارات الخدمية لا شك أحمى وطيسا ..
*****
وماذا عن التعيينات الباهتة في الشورى؟ النواب السابقون الذين تم اختيارهم – مع احترامنا- على أي أساس اختيروا ، هل نهضوا بواجبهم بشكل مرض أسعد ناخبيهم وأثار إعجاب الشعب ومؤسساته لتتم مكافأتهم بمنصب كهذا ؟ وماذا عن باقي الوجوه التي لم نسمع بها يوماً وتفاجأنا بوجودها في قمة سدّة التشريع ؟ بصراحة ، وليعذرنا المعنيون فنحن لا نعرفهم ولا نضمر لهم شيئا ولكن حق لنا أن نسأل ، منذ متى كانت الديانة وحدها مؤهلاً كافياً لتولي منصب عام يمثل البحرين حكومةً وشعباً ومؤسسات ! وإن كان الأمر كذلك – أفصحوا- ونؤكد لكم أن كثيراً من المتسلقين مستعدون لتغيير ديانتهم للحصول على هكذا المنصب..!
ندرك أن البحرين تريد أن تسوق للتسامح مع الأديان ولكن توزيع مناصب حساسة ، تُرسم من خلالها سياسة البلاد وتُقولب مستقبل العباد، يجب أن لا يتم بخفة.. في البحرين ليس هناك تمييز على أساس الدين – ولم تتهم البحرين يوماً بذلك- فما الداعي لهذه المبالغة في نفي تهمة لم يلصقها بنا أحد؟
مجلس الشورى الذي يعتبره البعض ” تحصيل حاصل” هو كيان مهم مطالب بإثراء الحراك بتلاوينه شريطة أن يكون لها ثقل فكري وعملي وحضور اجتماعي بارز وإلا فوجودهم يضعف قيمة المجلس ولا يثريه ، سيما أن معلومات بعضهم عن مكنونات المجتمع البحريني لا تتعدى معلوماتي عن المجتمع الأرتيري، ومع ذلك فهم يمثلون البلاد ويشرعون لأجيالها القادمة !!
*****
وماذا عن التشكيلة الأرستقراطية للمجلس الأعلى للمرأة.. هذه النخبة من السيدات الكريمات سليلات أرقى وأغني العائلات وزوجات النخب اللواتي يحملن حقائب “الجوتشي” ويلبسن بدلات ” الروبرتو كفالي” وتلمع حول معاصمهن “الشوميه” ماذا يعرفن عن شيخة وخدوج وحصة وأم السادة !!
في صفوف كل من أسلفنا من الوزراء وشوريين وعضوات مجلس المرأة – للأمانة- كفاءات تزّن بالذهب.. ولكن طغيان المحسوبيات والتوازانات في التعيين واختلاط الغث بالسمين يضعف تلك الكيانات ككل، كما أن تلك التراكيب لا تمثل شعب البحرين –واقعياً- وإن كانت تمثله نظرياً. ناهيك أن هذا الرص الفوقي لوجوه مكررة في المناصب العامة تنتمي لشريحة وطبقة واحدة أمر لا يمكن أن يكون صحياً ومثمراً.. في الدول المتقدمة لا يحتفظ بشخص – أياً كانت فذاً- لأكثر من دورتين في موقع القرار لقناعتهم بأن حماس الإنسان يتداعى والذات تتضخم ونبع أفكاره الخلاقة ينضب كلما طال أمد احتفاظه بمنصب عال. كما ويؤمن هؤلاء، كنتيجة لسنوات ممتدة من التجربة، بأن العمل يجمد إن لم يضخّ بدماء جديدة ويتدهور إن لم يستفد من قطاف الطاقات المطمورة.
نقول: ارحمونا من تلك الوجوه التي سئمناها، والتي ما لو كان بها مطر لأمطرت.. و أعطوا البلد الفرصة لتتنفس من رئات جديدة عوضا عن تلك التي تهالكت..
والله من وراء القصد ،،
موقع لميس